لقد أدّت التحديات الكبيرة على المسلمين في كينيا إلى مسارعتهم في إنشاء المدارس الدينية، والحق أنه لا ينطوي اللجوء إلى المدارس الإسلامية على البعد الدِّيني فقط، وإنما يمتد إلى البعد التربوي الملتزم.

كينيا دولةٌ تقع شرق القارة الأفريقية، تمر بها الدائرة الاستوائية، وتُشرف بحدودها الشرقية على المحيط الهندي، وتجاورها أوغندا من الغرب، وتنزانيا من الجنوب، وإثيوبيا وجنوب السودان من الشمال، والصومال من الشمال الشرقي.

عاصمة كينيا هي مدينة نيروبي، وتوجد في المرتفعات الداخلية. يبلغ تعداد المسلمين في كينيا حوالي 11 مليونًا من عدد السكان البالغ 47.5 مليون نسمة، ويمثل فيه غير المسلمين أكثر من 65% من نسبة السكان؛ لذلك فإن التحاق أبناء المسلمين بمدارس تحفظ عليهم هويتهم الدينية أصبح تحديًا يحسب له الآباء حسابًا كبيرًا([1]).

يعود الإسلام في شرق القارة الأفريقية إلى القرن الأول الهجري، بل لعله دخلها قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، عندما هاجر عدد من الصحابة -رضوان الله عليهم- في هجرتي الحبشة الأولى والثانية، حيث ظلوا هنالك لأكثر من أربعة عشر عامًا -منذ العام الخامس من البعثة النبوية حتى فتح خيبر في السنة السابعة من الهجرة([2])-؛ لذا يعد الإسلام دينًا أصيلاً وقديمًا وأساسيًا في هذه المنطقة من العالم.

على أن تقسيم الاحتلال الأوربي لهذه القارة في القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين على أسسٍ جغرافيةٍ، وفلكيةٍ، ومناطقيةٍ تتوافق مع المصالح الغربية، أدّى إلى أن ضعف، وشرذمة المسلمين، حتى باتوا أقليةً في دولة كينيا([3]).

ومن ثم؛ تواجه الأقلية المسلمة في كينيا عدة تحدياتٍ تربويةٍ حقيقيةٍ، على رأسها موجات المدّ التنصيري الجارف، وضعف البنية التعليمية الإسلامية.

 وعلى الرغم من قيام بعض المؤسسات الخيرية العربية بتقديم يد المساعدة لإنشاء الصروح العلمية الإسلامية -مثل جامعة راف العالمية، التي تضم بين جنباتها كليتي: الشريعة، والتربية، والتي من المقرر أن يتم افتتاح التوسعة النهائية لها في العام 2018م([4])- إلا أن المسلمين في كينيا بحاجة إلى مدّ مزيدٍ من العون والرعاية؛ لحماية هويتهم من الذوبان في الأكثرية المسيحية.

لقد أدّت التحديات الكبيرة على المسلمين في كينيا إلى مسارعتهم في إنشاء المدارس الدينية، والحق أنه لا ينطوي اللجوء إلى المدارس الإسلامية على البعد الدِّيني فقط، وإنما يمتد إلى البعد التربوي الملتزم، الذي يتمناه كل أبٍ لابنه، يقول أحمد بيراوي -أحد الذين لجؤوا للمدرسة لتعليم أبنائهم-: إنه رأى فيها فرصةً للتعليم الأنسب لولديْه: محمود، وشمس.

وتمثِّل مدارس المجلس الأفريقي للتعليم الخاص مكانًا مناسبًا لكثيرٍ من العائلات المسلمة في العاصمة الكينية نيروبي، وضواحيها.

أما أمينة زوجة بيراوي -وهي مسلمةٌ من جنوب أفريقيا- فتقول: "نحن متفقون كأسرةٍ- على أن ينشأ أطفالنا في بيئةٍ مسلمةٍ، وتخيفنا صور المدارس التي ينتهي فيها الأبناء إلى المخدرات، وحياة اللهو"([5]).

ويقول الشيخ محمد أسلم -أحد مسؤولي معهد كيسوني الثانوي في مومباسا-: "إن هناك ازديادًا كبيرًا للمدارس الإسلامية في الآونة الأخيرة، حيث كانت تعد بأصابع اليد الواحدة في بداية انتشار التعليم الإسلامي، بينما وصلت الآن إلى أكثر من مائةٍ"([6]).

وتجمع مدرسة "أبو هريرة" الإسلامية في مومباسا على الساحل الشرقي لأفريقيا بين العلوم الشرعية، ومقررات المنهج الكيني، وهو المعهد الذي تأسس عام 1980م، وهو من أوائل المدارس الإسلامية في البلاد، وتخرج منه الكثير من الدعاة المشهورين داخل كينيا، وخارجها.

ويذكر مسئول العلاقات في مدرسة "أبو هريرة" بمومباسا عبد الوهاب إبراهيم: "إن هناك نوعين من المدارس الإسلامية في كينيا: مدارس تقدِّم العلوم الشرعية بكافة فروعها، وأخرى تدرِّس العلوم الشرعية إلى جانب المواد التي تقدمها المدارس الرسمية الكينية".

ويقول إبراهيم: إن مدرسة "أبو هريرة" التي تأسست عام 1995 تعد نموذجًا في المزاوجة بين العلوم الشرعية ومقررات المنهج الكيني، وقد نجحت في ذلك، وحصلت على جوائز، مشيرًا إلى أن هذا النوع من المدارس بدأ يزداد مؤخرا([7]).

ولعلنا نلقي الضوء على النشاطات التربوية لأهم مؤسستين إسلاميتين في كينيا، وهما: المؤسسة الإسلامية في نيروبي، وجمعية رابطة الشبان المسلمين.

فالمؤسسة الإسلامية في نيروبي يشمل نشاطها: إعداد ونشر المطبوعات والمجلّات الإسلامية، وإلقاء المحاضرات والدروس الدينية الحديثة والمطورة المناهج، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم.

وقد قامت هذه المؤسسة بإنشاء مشروع مجمع تعليمي في نيروبي يضم مدرستين: إبتدائية وثانوية؛ ومعهدًا دينيا ثانويًّا، وجامعةً؛ وثانويةً للبنات؛ ومعهدًا للمعلمين في ممباسا؛ ومركزَ الفالحِ للدعوة الإسلامية في نيروبي.

 وقد قامت بأدوارٍ تربويةٍ رائدةٍ، فشجّعت المسلمين على دراسة القرآن والسنة؛ وأصدرت الصحف والمجلّات؛ وترجمت الكتب الإسلامية إلى اللغة السواحلية؛ وأرسلت البعثات للدعوة في الأرياف الكينية؛ وأنشأت مكتباتٍ للمطالعة؛ وتمكّنت من إصدار ثلاث طبعاتٍ من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة السواحلية؛ ولها نشاط إذاعيٍّ بتقديم الأحاديث الدينية في إذاعة كينيا.

ولم تقف المؤسسة عند التعليم، بل ساهمت في دفع رسومٍ للطلبة المسلمين الفقراء؛ ورغم ضيق ذات اليد تعتبر هذه المؤسسة من أفضل الجماعات العاملة في كينيا([8]).

أما جمعية رابطة الشبان المسلمين: فقد قامت بدفع مستوى الثقافة الإسلامية بين الشباب المسلم؛ وأمدّت المدارس الحكومية بمدرسي اللغة والدِّين، وعقدت الدورات التدريبية للطلاب والمدرسين، وتحمّلت الرسوم الدراسية لأكثر من ٥٠٠ من الطلاب المسلمين في الثانوية والجامعة؛ ومن مشروعاتها دارُ أيتامٍ، ومدرسةٌ في مدينة جاريسا (بيت الأطفال المسلمين في قاريسا)([9]).

ومع هذا الجهد الطيب؛ فإن المسلمين في كينيا بحاجةٍ إلى عملٍ منظمٍ، وجهاتٍ ترعاهم.

ومن أهم ما يحتاجونه لدعم مسارات التربية الإسلامية:

- إرسال دعاةٍ لكينيا، بشرط إجادة اللغة السواحلية.

- إنشاء مؤسساتٍ تعليميةٍ، خاصةً الجامعات، التي لا تكاد توجد في مناطقهم.

- قيام اتحادٍ للمسلمين يكون جامعًا لهم.

- فتح المجال أمام أبناء المسلمين؛ كي يلتحقوا بالجامعات العربية، والإسلامية.

- إبعاد المسلمين في كينيا عن الخلافات الفروعية بين المسلمين في الأقطار الإسلامية، وحماية المسلمين من سموم الرفض، والخرافات.

- حضور المنظمات الإسلامية لكينيا لدعم الناس، وتقديم العون لهم([10]).


([1]) مقال بعنوان "معاناة المسلمين في كينيا بسبب غياب العدالة"، موقع السكينة الإلكتروني، بتاريخ 15/10/2015م.

([2]) ابن هشام: السيرة النبوية (1/323) تحقيق مصطفى السقا وآخران، مطبعة البابي الحلبي، الطبعة الثانية – القاهرة، 1955م.

([3]) شوقي الجمل وعبد الله عبد الرازق: تاريخ المسلمين في أفريقيا ومشكلاتهم ص127. دار الثقافة للنشر والتوزيع – القاهرة، 1996م

([4]) موقع جامعة راف العالمية الإسلامية في كينيا: http://raf-thani.com/index.php?fsite=1

([5]) عارف الصاوي: تقرير بعنوان: "المدارس الإسلامية في كينيا.. استثمار وهوية"، موقع الجزيرة نت، بتاريخ 15/1/2015م.

([6]) مهدي حاشي: تقرير بعنوان "مدارس كينيا الإسلامية.. اعتراف منشود"، موقع الجزيرة نت، بتاريخ 10/5/2012م.

([7]) السابق نفسه.

([8]) حسن بن عبد الله الرزقي القرني: المشكلات التعليمية لدى الأقلية المسلمة في كينيا، مجلة دراسات تربوية ونفسية، العدد (76)، مجلة كلية التربية بالزقازيق، 2012م، ص378.

([9]) السابق نفسه.

([10]) المسلمون في كينيا، موقع إسلام ويب.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة