ونحن على وشك سنة دراسية جديدة، أرجو منكم المساعدة، 

ربيت ابني الكبير على التسامح وعدم إيذاء الآخرين، كانت النتيجة أن الأطفال من حوله يستهزءون به، ويظنونه ضعيفا، فيتكالبون عليه، تارة يستطيع الدفاع عن نفسه، وكثيرا ما كان يعود من المدرسة وآثار الضرب عليه!

قررت أن أغير طريقتي مع ابني الأوسط، وعلمته من الصغر الدفاع عن نفسه، فأصبح أصدقاؤه في المدرسة يقحمونه في المشكلات حتى يدافع عنهم، فاتهم من قبل المدرسين أنه (جلاب المشاكل)!

برأيكم، ما الطرق الفعالة للتعامل مع مشكلات السلوك أو العنف المدرسي حتى لا أقع في مشكلة تطاول الزملاء على ابني الأكبر، أو وصم ابني الأصغر بمحدث المشاكل؟!

الرد

 سؤال مهم، والاختيار ما بين الطريقين أمر مربك للأهل، فلا التسامح وحده نفع، ولا التدريب على الدفاع عن النفس كانت نتيجته دائمًا مُرضية.

وقبل أن نلقي بالمسئولية على المدرسة والمدرسين، علينا أن نذكر الأهل أولا بضرورة تنشئة الطفل على الحب والثقة في النفس، منذ نعومة أظفاره، حتى إذا ما بلغ السادسة من عمره يكون قد تشكل لديه شخصية قوية حقيقية، فبعض الأهل يتأخرون في توجيه وإرشاد أبنائهم، ويربطون تعلم الدفاع عن النفس بخروج الطفل إلى عالم المدرسة، غافلين عن أهمية زرع هذا مبكرًا.

فكيف نربي طفلا قوي الشخصية داخل المنزل قبل أن نوجهه للدفاع عن نفسه خارجا؟!

  1. زرع الثقة في طفلك: فنتركه يتصرف أولًا ولا نتدخل سريعًا، هذا سيولد بداخله ثقة الأهل فيه، وبالتالي تزداد ثقته في نفسه.
  2. نخبر الآخرين أننا نثق في أطفالنا: فما نرسمه من صورة ذهنية لأبنائنا لدى الآخرين، يكون هو بوابة تعاملهم مع أطفالنا، فلا تنتقدي طفلك بأنه لا يعرف كيفية التصرف في المواقف المختلفة، بل امدحي شجاعته وجسارته وحسن تصرفه أمام الآخرين.
  3. تدريبه على قول (لا): أحيانًا ينزعج الأهل من رفض أبنائهم بعض آرائهم فيكبتون الأبناء، مما يؤثر على حرية التعبير ويجعلهم لاحقًا يتلقون الإهانات ولا يرفضونها لأنهم لم يتدربوا على قول (لا).
  4. يجب أن يصمم المنزل من أول يوم على حرية حركة الأبناء فيه، فنترك لهم مساحات للعب والانطلاق حتى يفرغون طاقاتهم أولًا بأول، ولا تكبر الصراعات بينهم بسبب الطاقة المكبوتة لقلة المساحات المخصصة للحركة في المنزل.
  5. إيجاد الحلول والبدائل: كثير من الأطفال يكون لديهم مشكلة مثل مشكلة (العض أو القرص أو ضرب أي شئ يتحرك بيده)، علينا أن نهذب سلوكهم أولًا بأول ونجهز لهم البدائل، كدمية يفرغ فيها الطفل طاقة الضرب، وثمرة تفاح يأكلها إذا ما شعر بأنه يريد أن يعض أحدهم، فيتعلم أن السلوك يمكننا تعديله، وباتباع القاعدة التربوية المهمة المعروفة (بالتكرار السلبي)، والمقصود بها تكرار السلوك السلبي مرات عديدة حتى ينطفئ بداخله وينساه، يكون ذلك تحت إشراف الأهل، وبإيجاد البدائل كما ذكرنا.
  6. تدريبه على الضرب الدفاعي: فالضرب نوعان، دفاعي وهجومي، المطلوب تدريبه على الضرب الدفاعي، فيتعلم كيف يوقف اعتداء الآخرين عليه بمسك يدهم بطريقة معينة، يتعلمها في الألعاب التي تندرج تحت مسمى الفنون القتالية، هذه هي المدرسة الوسط بين ما علمتِه طفلكِ الأول من التسامح وما دربتِ عليه طفلكِ الثاني (أخذ الحق)، الوسط بينهما التدريب على الدفاع عن النفس وضبط النفس عند الغضب، يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، فيجب أن يكون ذلك منهاجًا لنا ونحن نربي أبناءنا؛ فنستند إلى أقوال وأفعال الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم، الذي قال عنه أنس بن مالك واصفًا تعامله الرحيم معه: “خدمت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، لا والله ما سبني سبة قط، ولا قال لي أف قط، ولا قال لي لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته”، والأحاديث في ذلك كثيرة، كقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم: “ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء”، فحينما يتربى أبناؤنا على قول أطيب الكلام، ستوأد بذلك عشرات الاعتداءات في مهدها، فكل تشابك بالأيدي سبقه عادة تلاسن بالفم، فحفظه يجنبنا كثيرًا من المشكلات والوقوع في المهالك.

ثمة ثلاثة محاور أساسية ونحن نقوّم سلوك أبنائنا: المحور الأول: لا للتربية بالصراخ، فمهما فعلت من النقاط السابقة لزرع ثقة الطفل بنفسه ثم صرخت في وجهه، هد المعبد على ما فيه.

المحور الثاني: الحوار ثم الحوار ثم الحوار، فإن رأيت من طفلك سلوكًا عدوانيًا، قبل أن تتهمه اسمعه، وتناقش في الأسباب التي دفعته لفعل ذلك، ثم قرر معه العقوبة إن استدعى الأمر ذلك، اسأل طفلك، كيف نصلح ما فسد، دعه يقرر.

المحور الثالث: التربية بالحب، سواء كان حديثنا للأهل في البيت أو للمدرسين في المدرسة، فلن تتذوقوا ثمار تعبكم بلا حب حقيقي لأبنائكم وتلاميذكم. 

نسوق هذا الحديث بين أيديكم لنتعلم من الرسول المعلم، فعن رافع بن عمرو الغفاري، قال: ‏ ‏كُنْتُ وَأَنَا غُلَامٌ أَرْمِي نَخْلَنَا- ‏أَوْ قَالَ: نَخْلَ ‏ ‏الْأَنْصَارِ- ‏ ‏فَأُتِيَ ‏ ‏بِيَ النَّبِيُّ- ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ‏ ‏فَقَالَ: يَا غُلَامُ، ‏ ‏وَقَالَ ‏ ‏ابْنُ كَاسِبٍ: ‏ ‏فَقَالَ: “يَا بُنَيَّ ‏ ‏لِمَ ‏ ‏تَرْمِي ‏ ‏النَّخْلَ؟”، قَالَ: قُلْتُ: آكُلُ، قَالَ: “‏‏فَلَا ‏ ‏تَرْم ‏ ‏النَّخْلَ وَكُلْ مِمَّا يَسْقُطُ فِي أَسَافِلِهَا”، قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: “اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ”.

نتعلم من هذا الحديث: 

  • لم يعاتبه- صلى الله عليه وسلم- بل سأله وفهم منه سبب إتيانه بهذا السلوك.
  • ثم تعاطف مع كونه جائعًا، وأرشده إلى الحل (كل ما يسقط في أسفلها).
  • وختمها- صلى الله عليه وسلم- بذروة سنام الحب (لغة التلامس الجسدي)، فمسح على رأسه ودعا له.

فهلا سلك الأهل والمدرسون هذا المسلك (التربية بالحب والرحمة)، في مواجهة سلوك العنف من التلاميذ أو الأبناء.

أوصي المدرسين ونحن في بداية عام دراسي جديد أن يقرأوا عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، ولتكن سيرة الإمام الشافعي كمعلم وتلميذه الإمام أحمد بن حنبل نبراسًا لعلاقة المعلم بالمتعلم ففيها من الخير الكثير.

قد يتبادر للذهن أننا مع أخذنا بكل ما سبق من وسائل إلا أن ظاهرة الضرب في المدارس ما زالت تؤرق الأهل، فما أسبابها؟

  1. عدم التهيئة لقدوم الدراسة قبلها بوقت كاف، فالسهر وقلة ساعات النوم، بطاريات لشحن طاقة الغضب وبالتالي إمكانية حدوث المشكلات بين التلاميذ، لأن أبدانهم غير مرتاحة، ولم يأخذوا قسطًا من الراحة كافيًا فمع أول استفزاز للمشاعر قد يتطور الأمر سريعًا. 
  2. عدم التغذية الجيدة، نعم لها تأثير على الدخول السريع في نوبات الغضب، فالاهتمام بتغذية الأبناء يساعد على ضبط النفس، فإن تنغيص الجوع مغضبة.
  3. وجود توترات في البيت، أو البيئة المحيطة بالطالب، فكلما خلقنا مناخًا مريحًا لعملية التعلم؛ ظهر أثر ذلك على نفسية مستقرة للأبناء.
  4. التخاذل من المدرسة في وضع قوانين صارمة، والتمييز في المعاملة بين أبناء العاملين وباقي الطلاب، مما يشعل الفتن والضغائن بين الطلبة، فالمساواة في تطبيق القوانين تسد الأبواب في وجه كثير من المشكلات.
  5. عدم الاهتمام بالأنشطة التي يفرغ فيها الطفل طاقته، فيلجأ الطفل لإثبات وجوده بالشغب. 
  6. إهمال حصص الألعاب والرسم، وأخذها لتعويض النقص الحاصل في وقت المواد الدراسية التي تدخل في المجموع. 
  7. عدم الاهتمام بحصة التربية الدينية، فكانت هذه المشكلات نتيجة طبيعية لذلك، فغياب الدين يذوق مآلاته الجميع. 
  8. التأثر العام بالشخصيات الهمجية في المسلسلات والأفلام، فيجد التلاميذ البيئة المدرسية مجالًا خصبًا لتفريغ المخزون من مشاهدات عنف، والإعجاب بصناعة بطولات زائفة.
  9. غياب القدوة، فإدارة غضبنا كأهل وكمدرسين، أحيانًا لا تكون على الصورة المثلى، فيتأثر التلاميذ بنماذج سيئة ويكررونها.
  10. عدم التعامل مع الصراعات القديمة بين الطلاب بشكل مناسب، يلجأ الكثير لشيطنة طرف، وإبراء الطرف الآخر، بينما في حقيقة أي خلاف، ثمة نسبة من الأخطاء يتحملها الجميع، بل إن فكرة الوصول لمن المخطئ ومعاقبته، دون التركيز على معاني الإخاء، يزيد من فرص الشحناء بين التلاميذ، فالعنف دائرة إذا لم نقطع حلقاتها بمداوة حقيقية سيكبر الصراع، وفي أحوال كثيرة يؤدي إلى كوارث.
  11. تهميش دور المدرس، والحط من قدره أحيانًا، خصوصًا في المسلسلات مما ساعد على التقليل من هيبة المعلم، الذي له فضل على كل طالب بعد الأهل، بل إن دوره لا يستطيع الأهل القيام به، مهما بلغ اجتهادهم، فإذا ما ركزنا في التربية على دور المعلم ووجوب احترامه واحترام قوانين المدرسة قد يتحسن الأمر كثيرًا.
  12. اختفاء دور الأخصائي الاجتماعي، الذي يكون لديه سجل بالمشاكل النفسية للأبناء والصدمات التي تعرضوا لها مما أدى إلى انتهاجهم للعنف، ولو دربنا هؤلاء الأخصائيين النفسيين بشكل جيد، لساهموا كثيرًا في علاج المشكلات قبل حدوثها.
  13. عدم وضع الأهل والمدرسة أيديهم في أيدي البعض، ثمة فرق كبير أن نتعامل مع المدرسة كونها خصم، وأن نتعامل معها كمكمل لدور الأهل في الإرشاد والتوجيه.

يبقى لنا أن نذكر بقاعدتين في تعديل السلوك:

  • القاعدة الأولى: التوجيه الغير مباشر أفضل كثيرًا من التوجيه المباشر، فاستخدام الإذاعة المدرسية- على سبيل المثال- في التوجيه غير المباشر، يختصر كثيرًا من الوقت والجهد، ولو أفردنا موضوعات ككيفية إدارة الغضب وتسمية المشاعر والتعبير عنها، قد يساعد كثيرًا في تطوير مهارات التلاميذ وذلك من خلال اسكيتشات ومسرحيات خفيفة. 
  • القاعدة الثانية: أن الطفل حتمًا سيكرر أخطاءه؛ ليس لأنه غير مكترث، بل لأن هذه إحدى وسائل التعلم، يخطئ فنوجه، يكرر ثانية، فنكرر التوجيه ثانية، ولا نعتبر ذلك تحديًا لنا أو سوء أدب منهم، فنعطي الأمر أكبر من حجمه وندخل مع الطفل في صراع، بدلًا من إرشاده وتوجيهه. 

السائلة الكريمة:

نذكرك بأن التربية هي محاولات للإصلاح، واجتهادات تلو اجتهادات، وما قد ينفع مع أحد الأبناء قد لا ينفع مع غيره، وما علينا إلا أن نجتهد وندعو الله أن يرشدنا الحيل، وأن يسدد خطانا، وأن يهيئ لأبنائنا سبيل التعلم من غير عنت أو مشقة، وكل عام وأنتم بخير، عام دراسي جديد، على عملنا شهيد، فنسأل الله فيه من الخير المزيد. 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة