إن أخوف ما يخافه الوالدان في الغرب هو مشكلة تربية الأبناء في بيئة غربية غير مسلمة؛ فالحياة وقوانينها هنا تسير بشكل كبير عكس ما يتمناه الأب أو الأم الراغبين بتنشئة أبنائهما تنشئة صحيحة قائمة على قيم الإسلام وتعاليمه

إن أخوف ما يخافه الوالدان في الغرب هو مشكلة تربية الأبناء في بيئة غربية غير مسلمة؛ فالحياة وقوانينها هنا تسير بشكل كبير عكس ما يتمناه الأب أو الأم الراغبان بتنشئة أبنائهما تنشئة صحيحة قائمة على قيم الإسلام وتعاليمه؛ حيث إن هناك الكثير من المخاطر التي تواجه جهود التربية في الغرب تتلخص فيما يلي:

1- طغيان المادية وكثرة الفتن:

تطغى المادية بكل أشكالها على جميع أنماط الحياة في الغرب؛ فالناس مشغولون بكسب أقواتهم، ويعيشون في دائرة مفرغة كترس في آلة لا يتوقف، وإن توقف سينكسر، فلا مجال هنا لالتقاط الأنفاس ولا للتفكر أو التدبر أو تقييم المواقف، وبالتالي ينعكس ذلك على عملية التربية؛ فالشباب والصغار كذلك هم تروس صغيرة داخل تلك الآلة، فسواء كنت صغيرًا في مدرسة ابتدائية أو متوسطة أو ثانوية فإنك تدور في دائرة لا تنتهي؛ يبدأ يوم الطفل من الصباح الباكر ليس لصلاة الفجر بل للاستعداد للمدرسة التي يقضي فيها معظم يومه، ثم يعود منهكًا آخر اليوم ليقوم بعمل واجباته، ثم يخلد للنوم استعدادًا ليوم جديد يعيد فيه ذلك الروتين.

الكثير من الشباب والأطفال في المدارس محرومون من صلاة الجمعة والجماعات بسبب مواعيد المدارس، وتعد الجُمَع الرافد الرئيس الذي يغذي روح المسلم هنا في الغرب.

والأطفال والشباب كذلك يصبون جل اهتمامهم على الماديات، كما تسيطر على تفكيرهم المادية، وأذكر حينما كنت أدرس للطلاب من أصول عربية في أحد المدارس الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية أنني كنت أعاني لإقناع الطلاب بتعلم اللغة العربية والدراسات الإسلامية؛ حيث يفكر الطلاب بشكل مادي فقط، لأنهم يؤمنون بأن الرياضيات واللغة الإنجليزية هما ما يشكل ويؤثر على مستقبلهم بشكل كبير، لا العربية ولا القرآن.

2- غياب دور الوالدين وانهماكهما في العمل:

يعد دور الأب والأم في عملية التربية محوريًا، لكن في الغرب لا يجد الوالدان وقتًا لتربية أبنائهما أو حتى للحديث معهم ومعرفة ما يدور بعقولهم أو المشكلات التي يواجهونها؛ فنمط الحياة المتسارع لا يمكّن الوالدين في بعض الأحيان من رؤية أبنائهما أو حتى الجلوس معهم لبعض الوقت.

وهناك نوعان من الآباء في ظل هذا النمط المتسارع للحياة:

أحدهما: الذي يهمل أبناءه تمامًا ويتركهم يواجهون الحياة بمفردهم دون توجيه أو إرشاد، وهذا نتائجه كارثية إلا من رحم ربي.

أما النوع الآخر: فهو المهموم بالتربية ولكن ضغوط الحياة دائمًا ما تثبط همته وتحط من عزيمته، ولكنه يسعى لإلحاق أبنائه بمحضن تربوي يقوم بدور الوالدين في الإرشاد والتوجيه.

3- المجتمع وقيمه المناقضة لتعاليم الإسلام:

هناك الكثير من القيم المجتمعية التي تتفق مع الإسلام هنا في الغرب، لكن هناك الكثير من الممارسات والعادات التي تتنافى تمامًا مع تعاليم الإسلام كالمواعدة والعلاقات الجنسية وزواج الشواذ والعري، والتي تعد بالنسبة للمجتمعات الغربية من المباحات. هذه العادات والممارسات وانتشارها في المجتمعات الغربية تمثل تحديًا للشباب المسلم وأسرهم؛ حيث يصعب على كثير من الآباء -إن كانوا يكترثون أصلاً- إقناع أبنائهم بتجنب هذه العادات والممارسات والسير عكس التيار الجارف في المجتمع؛ فيميل الكثير من الشباب للسير مع التيار، ومع تقاعس الآباء عن القيام بدورهم ينغمس الشباب المسلم في مثل هذه الممارسات.

المحاضن التربوية لمواجهة الخطر:

لكن على الرغم من كل هذه المخاطر والتهديدات للشباب والأطفال في الغرب إلا أن هناك شعاعًا من نور يصر على إنارة الطريق لمن أراد ملجأ ومأوى من الانجراف مع تيار المجتمعات الغربية، ليكون مكملاً لدور الأسرة في التربية والتوجيه، وسدًا منيعًا ضد طغيان النزعة المادية وانعكاساتها في شتى نواحي الحياة.

المراكز الإسلامية - المساجد:

تأتي المراكز الإسلامية على رأس تلك المؤسسات التي تمثل رأس الحربة في الدفاع عن هوية الأقليات المسلمة في الغرب، وتعمل على استكمال أدوار الأسرة نحو الأبناء في التربية والتنشئة على القيم الإسلامية.

وهنا أود التأكيد على أني أفضل تسميتها بالمراكز الإسلامية وليس المساجد، وبخاصة في الغرب؛ فالمسجد قد طبع في الأذهان وخاصة عند المهاجرين العرب بأنه مكان للعبادة فحسب، ولكن المراكز الإسلامية تقوم بدور المسجد في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كمراكز تؤدى فيها العبادات، وتعقد فيها الدروس والمحاضرات الدينية والثقافية، وكذلك الأنشطة والحلقات التربوية للناشئة والشباب والكبار، وكذلك هي نوادٍ اجتماعية للقاءات الأسر والأفراد المسلمين داخل المجتمع.

وليس هذا فحسب؛ بل تشتمل المراكز الإسلامية على صالات الألعاب الرياضية للأطفال والشباب، والمطابخ التي توفر الطعام طوال شهر رمضان؛ ما يوفر اجتماعًا يوميًا لجميع أفراد الجاليات المسلمة طوال ليالي الشهر الفضيل.

كذلك يعمل المركز على بناء جسور من التواصل مع المجتمعات والأفراد من مختلف الأديان والثقافات ممن يعيش مع المسلمين في المدينة نفسها، لكن دور هذه المراكز يتوقف على وعي الآباء بأهمية ربط أولادهم بالمركز، ودعم المراكز ماديًا ومعنويًا.

كذلك تواجه هذه المراكز مشكلة كبيرة، وهي محاولة بعض أعضاء المجتمعات المسلمة جذب المركز باتجاه فكر معين، أو حمل الناس جميعًا لاتباع ثقافة دولة بعينها؛ فيخلط البعض بين عادات وتقاليد قومه وبين الدين، ويحاول فرض هذه العادات والتقاليد -وكأنها هي الدين- على باقي أفراد المجتمع؛ ما يخلق الخلاف والتناحر وتفرقة المجتمع إلى فرق متنازعة.

كذلك بعض كبار السن ممن عاشوا حياتهم بنمط ثقافي معين يحاولون فرض هذا النمط على شباب وأطفال ولدوا ويعيشون داخل نمط وسياق ثقافي مختلف تمامًا.

المدارس الإسلامية ومدارس نهاية الأسبوع:

للمدارس الإسلامية بنوعيها -سواء أكانت بدوام كامل على مدار الأسبوع أو مدارس نهاية الأسبوع- دور مهم جدًا في التربية والتنشئة؛ فهذه المدارس تقوم بتدريس المناهج الغربية الحديثة مع إضافة مواد اللغة العربية والقرآن والدراسات الإسلامية بجانب ترسيخ وتدعيم القيم والتعاليم الإسلامية عند الناشئة؛ لذلك يهرع الكثير من الآباء لإلحاق أبنائهم بهذه المدارس كي يضمنوا تربية سليمة لأبنائهم، ويحفظوا عليهم دينهم وهويتهم الإسلامية.

ولكن تعاني بعض هذه المدارس من نقص الدعم من المجتمعات المسلمة المقيمة في الغرب، وكذلك تفتقد متابعة واهتمام الكثير من الآباء لأبنائهم؛ فالكثير من الآباء لا يشجعون أبناءهم على تعلم المواد التي تعزز هويتهم، ولا يقومون بدورهم المتمم لأدوار هذه المدارس؛ ولهذا تفشل تجارب الكثير من الطلاب مع هذه المدارس، وبدلاً من أن يولي الآباء اهتمامًا بأبنائهم كي تقوم المدرسة بدورها؛ يبادرون باتهام المدرسة بالتقصير ويقطعون عنها دعمهم.

روابط الطلاب المسلمين بالجامعات (MSA):

تعد روابط الطلاب المسلمين ملاذًا للكثير من طلاب الجامعة المسلمين للعيش داخل بيئة مسلمة تعينهم على مواجهة التحديات للعيش كطالب مسلم طوال مرحلة الجامعة، لكن خلال تجربتي مع عدد من هذه الروابط وجدت الكثير من جوانب القصور والتي تصل في بعض الأحيان للذوبان داخل الهوية الغربية، ولا يبقى لهذه الروابط إلا الارتباط الشكلي والاسمي بالإسلام. ولكن ليس هذا مجال البسط في هذه المشكلة. وعلى الرغم من هذا القصور فإن هذه الروابط تحتل مكانة كبيرة في ربط شباب الجامعات بدينهم، ومحاولة تعزيز الهوية الإسلامية.

وأخيرًا نؤكد أن المحاضن التربوية في الغرب تقوم بدور فعال في تفادي كثير من الأمراض المجتمعية لدى الناشئة، إلا أن هذا الدور يظل محتاجًا لكثير من عمليات التقويم للنهوض به، وتلافي أخطائه ومشكلاته، والتغلب على الواقع المادي المترسخ في الدول الغربية، بما يتناسب مع حجم التحديات الموجودة على الأرض.  

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة