نظرًا لأهمية الأمر، وأن تأثير البيئة المحيطة يلعب دورًا أساسيًّا في غرس وتعزيز القِيَم، فسوف نركّز في هذا المقال على دور المساجد، والدعاة، والتربويين في المساهمة في هذا الموضوع.

الصدق، الأمانة، الالتزام، التعاطف، التعاون، المسؤولية، الإحساس بالآخرين، المثابرة، النجاح، الطموح، الحب، العطاء، وغيرها الكثير من القيم الرائعة التي نسعى لغرسها في أطفالنا.

لا شك أنه لا يختلف اثنان في أهمية التربية، وزرع هذه القيم منذ عمرٍ مبكرٍ في حياة الطفل؛ لكي يكبر وقد أصبحت جزءًا منه، ومن شخصيته.

يتعلم الأطفال القِيَم من البيئة المحيطة بهم، ابتداءً من الأهل، ومن ثَمّ الأصدقاء، والمدرسة، والمساجد، وغيرها.

وبعض هذه القيم هي قيمٌ اقترابيةٌ -بمعنى غاياتٍ نريد أن نحصل عليها- وهذه تتجلى عند بعض الأطفال أكثر من غيرهم -مثل الكرم، والتعاون، والتسامح- وأحيانًا يظن المربّون أن هذه صفاتِ ضعفِ شخصيةٍ في الطفل، وأنه يتم استغلال طفلهم؛ فينهرونه، ويطلبون منه عدم مساعدة الآخرين، أو مسامحتهم مثلًا.

وبعض هذه القِيَم تغيب عن الطفل، ولا بد من الانتباه، والحرص على تعزيزها، وغرسها -مثل الصدق، والأمانة، وغيرها-.

ونظرًا لأهمية الأمر، وأن تأثير البيئة المحيطة يلعب دورًا أساسيًّا في غرس وتعزيز القِيَم، فسوف نركّز في هذا المقال على دور المساجد، والدعاة، والتربويين في المساهمة في هذا الموضوع.

طبيعة الطفل في التعلم:

يتعلم الطفل عن طريق المحاكاة، والمراقبة، ويتأثر بأفعال الآخرين أكثر بكثيرٍ من أقوالهم، ويقوم بتقليد تصرفاتهم بشكل تلقائيٍّ؛ لأن الاحتكاك بالآخر، والرغبة في الانتماء، والسعي في التشبه بالآخرين هو أمرٌ أساسيٌّ للطفل، يُشعِره بالأمان والقبول.

لذلك من الضروري الانتباه لتصرفات الكبار أمام الصغار، وحرص الدعاة والقائمين على الأنشطة على التحلي بقيمٍ عظيمةٍ، والالتزام بما يقولونه.

فالخطوة الأولى في تعليم القيم هي: "القدوة الحسنة":

فالقدوة هي أول طريقٍ، وأسهل طريقٍ لتعليم القِيَم، فمثلًا لو أردت تعليمهم قيمة الصبر، وقيمة الاحترام بحيث يتقن الطفل كظم الغيظ، وعدم رفع صوته على الآخرين، أو ضربهم، فلا بدّ للمربّي، والداعية أن يحمل هذه الصفات، ويعامل الطفل باحترامٍ وصبرٍ أيضًا.

ولا بدّ أن يحرص المربّي على تطوير ذاته، وتعزيز القيم لديه، والانتباه لسلوكياته أمام الأطفال، وفي السرّ أيضًا.

فإذا لاحظ أنه إنسانٌ لا يلتزم بالوعود والمواعيد، ويتعهد بإحضار هدايا للأطفال، أو يوهمهم بمسامحتهم لو قالوا الحقيقة، ثم لا يلتزم ويخون العهد فهو هنا يقتل هذه القيم من صدقٍ، وأمانةٍ، ووفاءٍ، والتزامٍ، في موقفٍ واحدٍ بسيطٍ.

وإذا شاهدوه يعيب زميلًا له، ويسخر منه، فهنا أيضًا يقتل قيمة الاحترام، والتعاطف، وتقبّل الآخر.

لذا لا بدّ من الوعي بتأثير القدوة على الأطفال في بيئةٍ مثل بيئة المسجد، حيث إن الدعاة والمربّين يكونون مثلًا أعلى لهؤلاء الأطفال.

أما الخطوة الثانية فهي: "التعريف بالقيم":

استخدام أسامي القيم والتعريف بها في المواقف المختلفة يساعد الطفل على تعلّمها، وسنذكر بعض الطرق لفعل ذلك:

الطريقة الأولى:

       لو تشاجر طفلان وأراد المربّي أن يحثهم على التفاهم، والاحترام، والصبر، فليشرح لهم ذلك، وليقل مثلًا: من الاحترام للآخر أن تخبره بما تريد، دون أن ترفع صوتك، أو بإمكانك أن تتأنى قليلًا ريثما تهدأ، ثم تتكلم مع زميلك، وهذا يسمى: "الصبر على الأذى".

الطريقة الثانية:

الثناء على سلوك الطفل، وإخباره أن ما قام به يسمى: "تسامحًا أو تعاطفًا"، فمثلا لو رأينا طفلًا يصبر على الأذى من زميله، ويعود ليلعب معه، فنقول له: ما شاء الله عليك، أسعدني صبرك وتسامحك مع زميلك، هذه قيمة رائعة، تسمى: "الصبر والتسامح"، لا بدّ أنك فخور بنفسك، وأبشرك أن لك الأجر الكبير من الله.

الطريقة الثالثة:

القيام بالتعامل بالقيم، والإشارة لذلك أمام الطفل، فمثلًا لو قام أحد الدعاة أو المربين بمساعدة آخر، فمن الممكن أن يقولوا: نحن نتعاون فيما بيننا، فالتعاون قيمةٌ جميلةٌ، وتزيد من أواصر المحبة والإخاء.

أو رغم صعوبة المهمة التي أقوم بها الا إنني مثابرٌ عليها حتى أنهيها، فالمثابرة قيمةٌ رائعةٌ، توصلنا للنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.

ومن ثَمّ؛ فإننا نكون قد حققنا القدوة الحسنة، وعزّزنا القِيم عن طريق التعريف بها إذا رأيناها في سلوك الطفل، أو التعريف بها لو أردنا للطفل أن يتحلى بها.

الخطوة الثالثة التي يمكن أن تعزّز القِيَم هي: "رواية القصص":

يمكن للداعية أن يستشهد بقصصٍ من حياة الرُّسُل والصحابة، ويركّز على قيمةٍ معينةٍ من عدة قصصٍ، أو أن يركز كل مرةٍ على قيمةٍ مختلفةٍ.

في العادة، الأطفال يتفاعلون مع القصص بشكلٍ تلقائيٍّ، وينجذبون لها، ولكن بالإمكان أيضًا أن نعزّز ذلك عن طريق القيام بعصفٍ ذهنيٍّ بعد سرد القصة، وتوجيه أسئلةٍ مفتوحةٍ مثل: ما الذي استفدتموه من القصة؟

ماذا أعجبكم في تصرف فلانٍ؟

لو كنت مكانه هل ستتصرف بأمانةٍ مثله؟ لماذا؟

ما أهمية تحمل المسؤولية التي رأيناها من فلانةٍ في القصة؟

وهكذا يتم الإشارة للقيم عن طريق النقاش، ومن المهم أن نسمع منهم آراءهم، وما يعتقدون، ونساعدهم في تصحيح معتقداتهم.

الخطوة الرابعة: "تعزيز القيم":

ويكون عن طريق القيام بأنشطةٍ مختلفةٍ تهدف لذلك، مثل توزيع الأطفال في مجموعاتٍ، والطلب منهم القيام بعملٍ ما، كتنظيف ساحة المسجد، أو توزيع التمر على الحضور، أو أي شيءٍ، ويكون المربّي أو الداعية موجودًا، ويشير إلى القيمة التي أراد تعزيزها -مثلًا التعاون-، أحسنت يا بلال، أعجبني تعاونك مع عمر، وحملكما الصحون معًا.

أو سعدت بتصرفك يا حسن، وإيثار زميلك بدر على نفسك، وإعطائه آخر تمرة.

أو أحببت تحملك للمسؤولية، وقيامك بكنسِ كل الباحة، بوقتٍ قياسيٍّ، أو إتقانٍ، أو بدون تذمرٍ، وهكذا.

الخطوة الخامسة: "غرس القيمة":

تحديد قيمٍ كشعارٍ للأسبوع، والحرص على التركيز على هذه القيمة في كل الأنشطة، فمثلًا نستنبط آيةً تدل عليها، أو حديثًا يشير إليها، أو قصةً من قصص الصحابة أو الرُّسُل تعزِّزها، أو نتابع مَن تصرف بشيءٍ يدل على التزامه بهذه القيمة، أو نسرد قصةً تبيِّن القيمة وتوضحها، ونطلب منهم تطبيق القيمة خارج المسجد مع أهاليهم، ومدارسهم، وإخبارنا بالقصص التطبيقية.

الخطوة السادسة: "تنمية القِيَم في المجتمع":

تنمية القِيَم المجتمعية عن طريق نشر الوعي، والتكافل الاجتماعي: بمشاهدة برامج وثائقية عن مجتمعاتٍ مختلفةٍ، ومناطق أخرى من البلد، والقيام بمشاريع بسيطةٍ للمساعدة في تعزيز قِيَم التكافل الاجتماعيّ، والإحساس بالآخرين، وروح الجماعة، وهكذا.

القيم الابتعادية:

من جهةٍ أخرى، فإن هناك قيمًا ابتعاديةً، وهي الغايات التي نحرص على الابتعاد عنها، مثل الكذب، والرِّياء، والإحباط، والنفاق، والسرقة، والخيانة، وهكذا.

ومن الضروريّ الإشارة لمثل هذه الأمور عند الأطفال بشكلٍ بسيطٍ، دون تركيزٍ، أو عقوبةٍ مثلًا، فهناك قاعدةٌ تقول: "كل شيءٍ نركّز عليه يزيد وينتشر"، بل نكتفي بالإشارة لهذه القيم، ومن ثَمّ التركيز على عكسها من القيم الاقترابية، فمثلًا نقول: إن فلانًا في القصة قام بالكذب، والكذب فعلٌ شنيعٌ نهى عنه الله، وإن الإنسان المسلم ليس بالكاذب، بل هو صادق، ويتحرّى الصدق مهما حصل، ونركّز على الصدق.

وإذا قام أحد الأطفال بالسرقة مثلًا، فنذكر أن هذا الفعل غير مقبولٍ، ومن ثَمّ نركز على قيمة الأمانة، وفضلها، والأجر عليها، وكيف من الممكن أن ندرّب أنفسنا عليها.

وفي الختام: من الضروريّ التنويه على أن بعض الأطفال سيجدون بعض القيم أسهل للتطبيق والالتزام من غيرها، وهذا لا يعني أن الطفل سيءٌ، أو مشاغبٌ، أو غير ملتزمٍ، بل يعني أنه يحتاج مساعدةً أكثر، واستمراريةً في غرس القِيَم؛ حتى تصبح جزءًا منه، فمثلًا قيمة الصدق ربما نحتاج كل فترة الطفولة الأولى لغرسها -من عمر ٦ سنوات إلى سن المراهقة-.

وأحيانًا بعض القيم تكون جزءًا من شخصية الطفل- مثل التسامح- وهنا يحتاج الطفل بعض التوجيه لكي يحافظ على هذه القيمة الرائعة، ولكن لا يقلِّل من شأن نفسه، واحترامه من الآخرين، بأن يستغلوا قدرته على التسامح بالتعدي عليه أكثر .

أسأل الله عز وجل أن يحفظ أولادنا جميعًا، ويقدرنا على تربيتهم خير تربيةٍ، والله الموفق.

 

 

 

 

 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة