من أفضل ما يمهد به المربي طريق النجاح للنشء أن يقوم بتعويدهم على الآداب المرضية، وكيفية التعامل اللائق في مختلف المواقف التي تواجههم عند مخالطة المجتمع الواسع..

إن تصدُّر الآداب لقائمة العلوم التي اعتنت بها الشريعة أمر لا جدال فيه؛ فقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتمم مكارم الأخلاق، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة الواردة عنه -صلى الله عليه وسلم- في مدح الأدب الحسن والتعامل بالحسنى والمعروف.

ولا عجب أن نجد الكثير من الأئمة والعلماء قد تصدروا للتصنيف في هذا الباب؛ فقد صنف فيه البخاري وابن مفلح والغزالي... وغيرهم من كبار المصنفين في التاريخ الإسلامي. وقد بلغ من تقدير الشارع لعرف الناس وعاداتهم أن جعل مردَّ الكثير من الأحكام الفقهية وما يحل وما يحرم إنما يتعين بما تعارف عليه الناس في زمنهم ومجتمعهم، وجعل تقدير الكثير من الواجبات الشرعية معتمدًا على ما شاع وساد بين الناس من تقاليد وعادات، بل وجعل من شروط العدالة والكفاءة وتمام المروءة أن يلزم صاحبها أعراف مجتمعه ولا يشط وينبو عن أهل بلدته (ما لم تخالف نصًّا صريحًا في الشرع)، بل جعل الله من ضمن الحكم من وراء انقسام أبناء آدم إلى شعوب وقبائل أن (لِتَعَارَفُوا)، ولا تتم هذه المعرفة وهذا التعارف بمجرد معرفة الأسماء والصور، ولكن بمعرفة العوائد والأخلاق والمكارم والقبا وجعل تقدير الكثير من الواجبات الشرعية معتمدًا على ما شاع وساد بين الناس من تقاليد وعادات، بل وجعل من شروط العدالة والكفاءة وتمام المروءة أن يلزم صاحبها أعراف مجتمعه ولا يشط وينبو عن أهل بلدته (ما لم تخالف نصًّا صريحًا في الشرع)، بل جعل الله من ضمن الحكم من وراء انقسام أبناء آدم إلى شعوب وقبائل أن (لِتَعَارَفُوا)، ولا تتم هذه المعرفة وهذا التعارف بمجرد معرفة الأسماء والصور، ولكن بمعرفة العوائد والأخلاق والمكارم والقبائح.

أكد الكثير من خبراء علم النفس على أهمية هذه التجارب في بناء ثقة الطفل والمراهق بنفسه، وتحمله للمسؤولية الاجتماعية

ولا شك أن من أفضل ما يمهد به المربي طريق النجاح للنشء أن يقوم بتعويدهم على الآداب المرضية، وكيفية التعامل اللائق في مختلف المواقف التي تواجههم عند مخالطة المجتمع الواسع؛ فتربية النشء على إدراك هذه العادات واحترامها وتقدير قيمتها تجعلهم محط إعجاب وثقة من الكبار من حولهم، وتشجعهم على اصطحابهم للمحافل الاجتماعية دون تحرج أو تخوف، بل بفخر وإكبار.

وقد أكد الكثير من خبراء علم النفس على أهمية هذه التجارب في بناء ثقة الطفل والمراهق بنفسه، وتحمله للمسؤولية الاجتماعية، والتخفيف من حدة تمرده على الكبار، فشعور الناشئ بأنه مرحب به، وأنه يجيد التعامل مع المجتمع؛ سيدفعه لمزيد من التفاعل والاندماج معه، أما لو أُهمِل فإنه سيصاب حتمًا بالإحباط حين يتعرض للحرج مرات متكررة من عدم معرفته لكيفية رد المجاملة أو التحية أو أدب المجلس وترتيب الجلوس والكلام فيه... وغيرها من صور التعامل الاجتماعي التي يجب أن يعرفها مسبقًا، وهذا الإحباط سيدفعه لتجنب تلك المناسبات الاجتماعية بالمرة، والتمرد على تقاليد أسرته؛ ما يزيد من توتر علاقته بأبويه وأقاربه.

فمن القصور إذًا أن يراعي المربون التعليم الشرعي للقرآن والفقه والسيرة ويهملوا في المقابل التنشئة الاجتماعية للمتربين وتعويدهم على التصرفات الصحيحة اللائقة في المناسبات الاجتماعية واللقاءات الأسرية بأنواعها؛ فهذا التعويد ينشّئهم على الثقة بقدرتهم على التصرف داخل مجتمعاتهم؛ ما يفتح لهم أبواب النجاح الذي علمنا بالدراسات العلمية الحديثة أنه لا يرجع للمهارة والذكاء فقط، ولكن للقدرات الاجتماعية المتطورة بالتساوي مع المعارف الواسعة والمهارات العقلية.

أكد الكثير من خبراء علم النفس على أهمية هذه التجارب في بناء ثقة الطفل والمراهق بنفسه..

الوسائل والأدوات:

ولتعويد النشء على تلك الآداب والمهارات الاجتماعية، ينبغي على المربي أن يسعى إلى تطبيق وسائل التوجيه الفعال معهم، فلابد من الحرص على تفاعلهم ونشاطهم أثناء العملية التعليمية؛ لكي نضمن تحول تلك العادات إلى (سليقة) بديهية عندهم. ومن جملة الوسائل الفعالة في التدريب على تلك المهارات.

السؤال:

يبدأ المربي أولاً بالتعرف على ما يوجد من أفكار في عقول من يتابعهم، فيبتدئ هو بسؤالهم، ويدير حلقة نقاشية، طارحًا أسئلة من قبيل: (ما أهم العادات الشائعة التي تلاحظونها في مجتمعنا؟)، أو (هل تعرفون أهمية العادات والتقاليد التي نمارسها؟)، أو (ما التصرف الصحيح في مناسبة كذا؟)، أو (ما فوائد معرفة التصرف السليم اجتماعيًا؟).

وهكذا يدير المربي جلسة من العصف الذهني معهم ويستمع لهم ليعرف أولاً ما أفكارهم حول الموضوع، وليثير شغفهم حول الاستماع له حين يشرح لهم ما لا يعرفونه من تلك التقاليد.

وينبغي على المربي في تلك الجلسة أن يحسن الاستماع لكل من يدلي برأيه، ولا يسمح بالسخرية أو الضحك من أي قول، وأن يظهر تقديره لكل المشاركات، ويحاول أن يسمح لأكبر عدد ممكن بالمشاركة في الحوار، فكل فكرة يدلي بها الطفل أو المراهق يكون لها في نفسه أثر كبير سيعينه بالتأكيد على التزام تلك الآداب وممارستها وتقدير أهميتها.

التبيين:

على المربي أن يبين لطلبته ما فات عليهم من أهمية لتلك الآداب، وأن يسوق لهم الحجج التي ذكرنا بعضًا منها في أول هذا المقال، ويفضّل أن يضيف لها بعض النصوص النبوية التي تبيّن أهمية التزام الأخلاق الحسنة والأعراف الحميدة.

فوجود هذا المرجع الأخلاقي للناشئ في عقله وقلبه يعينه على التزامها وتجنب من يسول له التخلي عنها أو عدم المبالاة بها.

 القصة:

ولها أثر عظيم في نفوس الناشئة، فهي تبيّن لهم بالمثال العملي أهمية وفوائد اكتساب الآداب والخلال المحمودة مجتمعيًا، وتجعلهم يتفاعلون عقليًا وعاطفيًا مع أبطال القصة حين تنفعهم تلك الآداب أو يضرهم تركها، وعلى المعلم مراعاة طول وطبيعة القصة بما يناسب أعمار طلبته وقدراتهم على الاستيعاب، فالتعقيد الزائد والتسطيح الزائد كلاهما لا يأتي بخير.

 المحاكاة:

وهي من أفضل صور التربية والتدريب العمليين، حيث يقوم المربي بوضع موقف افتراضي، ويطلب من طلبته أن يمثل كل منهم دورًا في هذا الموقف، ويتم ممارسة الآداب المناسبة لهذا الموقف وتقييمها من قبل الطلبة فيما يشبه العرض المسرحي.

فمثلاً يقوم المربي بافتراض أنهم يحضرون حفل زواج، ويقوم بتعيين أحد الطلبة كوالد للزوج، وآخر كوالد للزوجة، وثالث هو العريس نفسه، ويقوم بعض الطلبة بتمثيل دور المهنئين، (ويفضل لو تمكن المربي من توفير أزياء تمثيلية تناسب الموقف)، ثم يتم تمثيل كيفية التهنئة وكيفية حضور العرس بالشكل الصحيح... وغيرها من الآداب المرتبطة بهذه المناسبة الاجتماعية.

  الاسترجاع:

وهي من الطرق الجيدة جدًا في حفظ الآداب في عقل الناشئة بعد شرحها وعرضها عليهم، حيث يتم سؤال كل واحد منهم عن التصرف الصحيح في أحد المواقف، ويتم تبادل الأسئلة وإدارتها على كل الطلبة ليتم التأكد من حسن استيعابهم واستحضارهم لما تم شرحه من الآداب والعادات.

 الإنتاج:

وهي من أنفع الطرق في ضمان ارتباط الناشئة فكريًا وعاطفيًا بتلك العادات، حيث يطلب المربي منهم أن يقوموا بعمل منتج يعبر عن الآداب التي شرحوها، فمثلاً يمكنهم صناعة لوحة تلخص تلك الآداب، أو مجسم يعرض ممارستها العملية، أو تصوير فيديو يقومون فيه بتمثيلها، أو غيرها من الأفكار التي يكون لها ناتج ملموس يبذل فيه الناشئ جهدًا وفكرًا ويشعر بالفخر إزاء إنتاجه له.

وفي الختام فهذه أمثلة على الطرق العملية التي يمكن بها تدريب الناشئة تدريبًا فعالاً على ممارسة الآداب الاجتماعية والتمرس بها وتقدير أهميتها؛ ما يعينهم على التفاعل مع مجتمعهم بطريقة صحية بناءة، وبالتأكيد فهذه ليست الطرق كلها، فباب الإبداع مفتوح للمربين ليخرجوا بأفكار أكثر تنوعًا وأكثر مناسبة لما يعرفونه من ميول في طلبتهم، والله الموفق والمستعان.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة