في عالم تضاءل حجمه ويموج بالفتن، تتحكم فيه قيم الانفتاح والسوق، وتتعدد فيه مذاهب التربية؛ أصبحنا في مسيس الحاجة لتربية أولادنا على ما يصون فطرتهم ويحميها.

في عالم تضاءل حجمه ويموج بالفتن، تتحكم فيه قيم الانفتاح والسوق، وتتعدد فيه مذاهب التربية؛ أصبحنا في مسيس الحاجة لتربية أولادنا على ما يصون فطرتهم ويحميها. وفي خضم مناهج التربية المختلفة؛ رأينا أن العقيدة الإسلامية هي (كلمة السر) التي يجب أن نبدأ بها في تربيتنا لأولادنا ولأنفسنا.

نبدأ بها اقتداءً بطريقة الرسول وإخوانه من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-. طريقتهم كانت بناء الاعتقاد قبل الأمر بالعمل والنهي عن الحرام، ولطالما قرأنا في القرآن: (أَنْ اُعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِهِ)، ولطالما كانت هذه طريقتهم في الدعوة.

نبدأ بها ليكونوا عبادًا لله حقًا، تنفعل قلوبهم مع كلمة التوحيد، وتفيض معانيها على سلوكهم وعباداتهم، ليكونوا مثالاً يعبر عن كلام الله: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:162].

نبدأ بها حماية لهم من دوامات الإلحاد، حماية لعقائدهم من أفكار الشرق والغرب التي تخطف عقولهم في أفلام الرسوم المتحركة وألعاب الفيديو.

نبدأ بها ليرسموا بها حدود تعاملهم مع البشر والحجر، ليشكلوا بها تصوراتهم عن العالم والكون، لنجيب عن أسئلتهم العقدية قبل أن تطفو على السطح.

نبنيها لنحميهم من الأفكار العقدية الوافدة التي تطل على عيونهم الصغيرة من شاشات الهواتف.

نبنيها في قلوبهم عقيدة صحيحة تعز بها نفوسهم، ويعرفوا بها أن المسلم عزيز لا يأكل من فتات موائد الفكر، ولا ينحني إلا لله، يقول بلسانه: (الله أكبر) في كل صلاة، ويعظم الله بها في قلبه، فتصغر أمامه الدنيا بزخرفها، ويحقر الطغيان بجبروته، ويلجأ للكبير سبحانه القهار.

راجعنا كتيبات ومقررات العقيدة المقدمة للأطفال، لنجد أننا نحتاج أن نعود خطوة للوراء؛
فإننا لا نملك غرس كل هذه المعاني فيهم ما لم تكن مختلطة باللحم والدم عندنا نحن أولًا،
فوعاء المربي لن يفيض بكل تلك المعاني إن لم يمتلئ.

وقد أبان الوحي ذلك بوضوح حين جعل وقاية النفس سابقة على وقاية الولد من النار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6].  

وواقع مجتمعات المسلمين ينبئ عن أن الأمهات أنفسهن لا يملكن أدوات غرس العقيدة في قلوب أطفالهن، بل ويجهلن أسس عقيدتنا ومنهجيتها وأصول الاستدلال فيها، ما يجعل غرس العقيدة مهمة شاقة، بل مستحيلة، كما لاحظنا الحرج البالغ الذي تقع فيه الأمهات عند الرد على أسئلة أطفالهن العقدية، بل وعند محاولات صد السهام الموجهة ضد عقيدة الطفل في أفلام الرسوم المتحركة وألعاب الفيديو. 

متابعة واقع التربية ومشكلات المربيات كانت سببًا ساقه الله -عز وجل- لنا لنتشارك كطالبات علم وأمهات، ونجتهد في وضع خطة بعيدة المدى، وتصميم مقررات تساعد الأمهات والمربيات، المحضن الأول الذي تتشكل فيه واقع هذه الأمة؛ فكانت (أكاديمية غراس العقيدة).

أكاديمية غراس العقيدة تعتمد مبدأ الدراسة عن بعد؛ وتعنى بغرس العقيدة الصحيحة لدى الأمهات والمربيات، وتزويدهن بوسائل غرسها لدى الأطفال. وكذا مواجهة العقائد الباطلة، والإجابة عن أسئلة الأطفال العقدية.

وكانت الانطلاقة الأولى في رجب 1439- مارس 2018  تحت شعار: (نتعلم؛ لنُعلِّم).

وصممنا أهدافنا حتى لا نحيد عن طريق رسمنا معالمه

• تعزيز اليقين بالإسلام في نفوس الوالدات والمربيات عبر تعزيز دلائل أصول الإسلام.

• تعزيز العقيدة الصحيحة في قلوب الوالدات والمربيات.

• معاونة الأمهات والمربيات في تقديم أسس العقيدة للأطفال حسب المراحل العمرية المختلفة.

• معاونة الأمهات في الرد على أسئلة أطفالهن الاعتقادية.

• معاونة الأمهات في الحكم على المواد المرئية المعروضة على أطفالهن.

• تعزيز أسس التربية الإيجابية المنضبطة بضوابط الشرع.

• مواجهة المذاهب الفلسفية الإلحادية المعاصرة وتطبيقاتها في المواد المعروضة على الطفل.

• التعرف على أدوات ووسائل غرس العقيدة لدى الأطفال وفقًا للمراحل العمرية المختلفة.

 

غراساتنا: 

اخترنا أن تحمل برامجنا اسم (الغراس)؛ فالعقيدة غرسٌ في القلب وليست مساقًا أو برنامجًا علميًا.

واليوم وبعد أربع سنوات من الانطلاقة الأولى؛ تقدم الأكاديمية على موقعها -الذي يخدم أكثر من 30 ألف طالبة- باقة من الغراسات، تتنوع بين غراسات العقيدة والتفسير والتربية..

واسطة العقد بينها الغراس التأسيسي، وهو غراس للتأسيس العقدي والتربوي للأمهات والمربيات؛ نبدأ فيه بغرس العقيدة الصحيحة لدى الأمهات والمربيات أولًا، ومن ثم إمدادهن بوسائل غرسها لدى الأطفال عبر محاور ثلاثة: العقيدة والتفسير والتربية. وتتدرج الدراسة فيه عبر مستويات أربعة تنطلق فيها الطالبة بين التأسيس في أركان الإيمان وغيره من الأسس العقدية، وكيفية تقديمها للطفل إلى مستوى مواجهة الشبهات والأفكار العقدية الوافدة والرد على أسئلة الأطفال العقدية، مع تطبيق للغرس العقدي في تفسير جزء عم وغيره من سور القرآن، مع تناول موضوعات تربوية مختلفة. 

كما تقدم الأكاديمية غراسات مستقلة في التفسير والتربية؛ قدمنا في التفسير: قراءة تربوية لسورة الكهف وسورة النور وجزء عم وجزء تبارك.

أما التربية فقدمنا مفاهيم تربوية في الميزان وغراس التربية العقدية، وغراس (ابني سألني)، الذي يتناول أسئلة الأطفال العقدية بشيء من التفصيل، وقدمنا محاضرة تناولت إجابات لأسئلة المربيات عن القدر والبلاء في سياق انتشار الكورونا، حملت عنوان (أنا وطفلي والكورونا).

كما أولينا اهتماما بالغًا ببيان طرق عرض المناهج العلمية للأطفال، وبيان طريقة عرضها للطفل المسلم في (ركن أم البنات)، مثل غراس التقويم، وغراس الرياضيات والحياة، وغراس تواصل، الذي يعرض مقرر اللغة العربية المصري وكيفية تحقيق الاستفادة منه.

وتعرض الأكاديمية أيضًا غراسًا طويلًا يتناول عرضًا لكتاب الرحيق المختوم في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، مع الإشارة للوقفات التربوية في حياة خير المربين -صلى الله عليه وسلم-.

وفي الفقه قدمت الأكاديمية غراس أحكام صلاة الجماعة، وأحكام الصيام؛ ليكون ملائمًا للأمهات والمربيات، معتنيًا بأحكام النساء في الفقه.

ولم نغفل الأمهات المغتربات من خطة الأكاديمية؛ فالمربيات في الغربة يواجهن تحديات من نوع مختلف، ويفتقدن الدعم الذي يسهل على الأم في البلاد المسلمة أن تلجأ إليه، فخصصنا ركن صحبة في الغربة؛ ليكون صحبة للأمهات المربيات ومعينًا لهن. 

وأخيرًا انضم إلى ركب غراساتنا ركن كلام الملك، ليركز الاهتمام على علوم القرآن وحفظه وتجويده.

وتحرص الأكاديمية على استغلال الثورة التكنولوجية، وتيسير وصول الرسالة في كل مكان في العالم عبر الهواتف وشبكات الإنترنت؛ حيث نتواصل مع جمهورنا عبر:

الفيسبوك و تويتر و إنستاجرام و تيليجرام، كما نقدم غراساتنا للنساء من الأمهات والمربيات والمهتمات بقضايا التربية عبر منصتنا، والتي يسر الله لنا بها إجراء الاختبارات، وإصدار الشهادات، وتقديم المحاضرات المرئية والصوتية عبرها.

نطمح ونطمع في كرم الله وفضله أن نكون ممن تسد بهم الثغور، وأن يجعل غراسنا مثمرًا، وأن نكون سببًا يهيئ الله به لأمتنا أمر رشد، يعز فيه أهل طاعته، ويهدى فيه أهل معصيته.

مقالات ذات صلة
التعليقات
  1. 1 مارس 2022
    أماني محمد صلاح

    بارك اللهم لكم في عملكم و جزيتم به الجنة . انا ام لطفلين اعمارهم ١١ عام و ٧ و في أشد الحاجة لتقويم سلوكهم و توعيه لي أيضا و اريد ان انضم لكم . فالنا بحاجة ماسه اللي صحبة على أرض الواقع و ليست على مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تعطي نفس الاحساس بالتواصل المباشر .

إضافة تعليق
ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة