تحدثنا في المقال السابق الذي كان بعنوان (المرتكزات العشر لبناء المهارات القيادية والإدارية للمربي) عن عشر مرتكزات لابد من تنميتها لدى المربي في مجال القيادة والإدارة التربوية حتى يصبح أهلاً لأن يقوم بمهمة التربية للأجيال

تحدثنا في المقال السابق الذي كان بعنوان (المرتكزات العشر لبناء المهارات القيادية والإدارية للمربي) عن عشر مرتكزات لابد من تنميتها لدى المربي في مجال القيادة والإدارة التربوية حتى يصبح أهلاً لأن يقوم بمهمة التربية للأجيال، وكما أن للمهارات القيادية والإدارية للمربي عشرة عناصر، فكذلك بناؤها يحتاج إلى عشر من الوسائل وهي:

1- الإخلاص والصدق:

الإخلاص في الدعوة والتربية والصدق مع الله أصول وأسس لمن يريد العمل مع الله، حيث إنه لا يقبل من العمل الا ما كان خالصاً لله تعالى صواباً على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ويلحق بذلك صدق التعامل والتعاطي مع هذه المهمة بما تحمله من حرارة في المشاعر، ويقين بالمصير، واحتساب الأجر والثواب، وصبر على المتاعب والمصاعب والمشاق. وأي إخلال في هذه المنظومة يعكس نفسه سلبًا على مخرجات التربية والتعليم.

2- الرغبة في التغيير الذاتي لدى المربي والمتربي:

الرغبة في التغيير الذاتي تتفاوت بحسب الأشخاص، ويتفاوت بذلك مقدار البذل والعطاء والجهد والتضحية، ومن هنا كان لابد من وضع بعض المعايير لدى اختيار المربين مثل معايير الرغبة في التغيير، والصبر، والعمل الدؤوب. إن التربية ليست وظيفة تنتظر وصول الراتب من عدمه -مع أهمية ذلك- لكنها معنى أعمق وأشمل، وهي أحداث التغيير العميق والجذري في المعتقدات والقيم والسلوك، ومعها تصبح الوظيفة والراتب مجرد وسائل لسد الحاجة واستنفار تلك الرغبات، واستخراج مكنونات النفوس من الإبداع والرغبة في إحداث التغيير المطلوب في أعماق النفوس للمربي والمتربي.

3-دوام التطلع للتطوير:

من لم يتقدم يتقادم، ومن لم يتجدد يتبدد، فبقاء المربي على أساليبه ووسائله القديمة في زمن من أبرز سماته التطور والتغيير المستمر والمتسارع في الوسائل يجعله عرضة للإهمال، وتصبح أساليبه القديمة لا تتناسب مع مستوى لغة العصر ولا تراعي تطلعات المتربين، حيث إن هذا العصر أجبر الجميع على متابعة كل جديد. وما لم يرتقِ المربي إلى متابعة الجديد ويتمكن من استخدامها الاستخدام الأفضل، فسوف يخفت تأثيره في حياة المتربي شيئًا فشيئًا بقدر ذلك.

4- القراءة والاطلاع:

القراءة والاطلاع في مجال التخصص وتعلم المهارات المتنوعة، والاطلاع على سير القدوات والناجحين، والاطلاع على الواقع المحيط وتحليل ما يدور فيها بروية، ومحاولة الإفادة من كل ذلك في تحسين عرضه للمسائل وتطوير أدائه وتحديث أساليبه، حيث تمكنه من بلوغ العلم الغزير والثراء الفكري والثقافة الواسعة، فينتج عنها رسوخ العلاقة مع المربي، وزيادة ثقة المتربي بقدراته وسعة علمه واطلاعه وخبراته. كما تقوى مَلَكة تحليل المشكلات وحسن النظر والتحليل للواقع والأحداث وتوصيفها التوصيف المناسب، ما يساعد على الفهم السليم والتصرف الرشيد، ومن ثم اتخاذ القرارات المناسبة وتقديم الحلول التي تعترض المتربي في شتى مناحي الحياة، وهذا بلا شك من أهم عوامل الجذب بين المربي والمتربي.

5- العلاقة والتواصل مع القدوات:

ومن أبرز وسائل بناء المهارات لدى المربي: قوة العلاقة والتواصل مع المربين القدوات في زمانه ومكانه، لينهل من علومهم ويستفيد من خبراتهم وتجاربهم، ويتخلق بأخلاقهم ويتأدب بآدابهم، فضلاً عن تسديدهم الدائم للأفكار والآراء الصادرة عنه، فينتج عن ذلك إعادة ضبط البوصلة في الاتجاه الصحيح في العلم والدعوة إلى الله على منهج الأنبياء والمرسلين.

ومن أسوأ ما تمر به بعض المحاضن التربوية، انعدام القدوات وكبار المربين المعاصرين، حيث ينضب معين الخبرات والتجارب والممارسات الحسنة، ويتولى عليها حدثاء الأسنان فيقودون الناس على قلة دراية وضعف بضاعة من العلم والفقه، فينحرف المسار شيئاً فشيئاً إلى طريق آخر.

ومن أهم وأسهل وسائل اتباع القدوات: القراءة في قصص الأنبياء وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء والصحابة وأئمة الهدى، والمصلحين على مر الزمان، ومع أهميتها البالغة في تكوين شخصية المربي، إلا أنها لا تغني عن القدوات من الأحياء المعاصرين الذين لديهم الخبرات الكبيرة في مشكلات العصر وحوادث الزمان.

6- الحضور الممنهج للدورات العلمية والتربوية والمهارية:

إن المشاركة في البرامج والدورات العلمية والتربوية والمهارية وإعطاءها اهتمامًا أكبر، وفق منهجية محددة؛ مسألة من السهولة بمكان بحيث لا تُعجز أحدًا في هذا الزمان، حيث إنها أصبحت متيسرة ومتاحة للجميع؛ خاصة مع توفر وسائل التقنية الحديثة ووسائل التواصل وتبادل المعلومات في جميع الأقطار. والمقصود هنا هو الحضور الممنهج لدورات محددة نابعة عن أهداف مكتوبة، تنفذها خطط مكتوبة وتغذيها مدخلات مدروسة، فينتج عنها مخرجات محسوبة ومتوقعة. وتم تنفيذها من خلال برنامج زمني محدد، يتم تقييمه لقياس مدى التقدم ومستوى الإنجاز.

7-  الكتابة والتعبير والنشر:

من بديهيات هذا العصر أن معظم الناس يكتبون وينشرون في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، ومن لا يكتب أو ينشر لم يفهم لغة العصر بعد. لكن ليس المهم أن نكتب، السؤال: ماذا نكتب وكيف يجب أن نكتب؟!

فمن المهارات التي ينبغي أن يتقنها المربي، فن إدارة الكتابة والنشر في الوسائط، مع تهديف الكتابة وتوجيهها باتجاه رؤية أو أهداف محددة، واختيار الملائم والأكثر جاذبية والأبلغ في إحداث الأثر، حتى يتمكن من الانتشار وتوصيل المعلومات ليس لاتباعه فحسب بل لشرائح عريضة من الناس من الذين هم بأمس الحاجة لتلك الكتابات وما تحمله من إرشادات وتجارب وخبرات، وبالأسلوب العصري المحبب والجذاب.


وهذا ينمي في المربي ثلاثة أمور مهمة:

الأول: التدريب على استخدام الآلة الإعلامية ومنصات التواصل وأساليب التعامل معها لبلوغ أهدافه.

الثاني: صقل مهارات الكتابة والتأليف وصولاً إلى غزارة الكم وجودة الكيف.  

الثالث: المساهمة في تعليم الناس وتصحيح مفاهيمهم والتأثير في أفكارهم وسلوكهم بشكل أعمق ومنهج أسلم ونطاق أوسع.

8-  حمل هموم الأمة:

حمل هموم الأمة من الغايات الكبرى للتربية، فينبغي أن تكون هذه الغاية وعيًا وثقافة ينطلق منها المربي باعتبارها الأمر العظيم والخطب الجلل؛ إنها تعني ربط الناس برب العالمين، والاهتمام بقضايا المسلمين، ومعايشة همومهم ومشكلاتهم. فمن لم يكن كذلك فإنه يعيش خارج بيئته الطبيعية وموطن قلبه الأصلي.

9-  التفكير في المستقبل:

ويعني استشراف المستقبل للدعوة في ضوء الوعود الربانية باستخلاف الأمة وظهور الدين على كل الأديان، وسيادة الأمة على كل الأمم، وبث الأمل واستخدام مفردات وإمكانيات الحاضر للتمكين لمستقبل أفضل. ويتفرع عنه ذم الإحباط والتخذيل، ومنع إفشاء مفردات الهزيمة النفسية التي يكرسها الأعداء في نفوس المسلمين. ولا يخفى ذلك ما جرى في سيرة الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- في حادثة الإفك على سبيل المثال لا الحصر.

إن الأعداء لا يستطيعون النيل من الإسلام ولا من حملة الدعوة إلا من خلال بث الرعب وروح الهزيمة في قلوبهم، ولذا تجدهم يهتمون بتزيين وتنويع تلك الأساليب ودون كلل أو ملل، لأنهم يعتبرونها الخط الأول لمواجهة دعاة الإسلام.

10- ربط الحاضر بالماضي:

والمقصود بذلك توثيق الصلة بين تاريخ الأمة من خلال قراءة القرآن والتأمل في قصص الأولين، وقراءة سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسير الخلفاء والصحابة والتابعين لاستنتاج العبر والدروس، واستخدام كل ذلك كخلفية مهمة ومقدمات أساسية للدعوة السليمة في زمان انقطع فيه الوحي وقلّت القدوات ورحل الكثير من العلماء العاملين. فما على من بقي مع المربين إلا دراسة ما عاش عليه السابقون وماتوا عليه، والعيش والموت على ما عاشوا وماتوا عليه، مع إضفاء نظرة عصرية في الوسائل والأدوات والأساليب التي لا تقدح في أصل المعتقد، ولا تؤثر في صلب المنهج.

برنامج تنفيذي مقترح لتطبيق وتطوير المهارات القيادية للمربين:

ورغبة في وضع هذه البرامج موضع التنفيذ، وتحويل هذه الأفكار النظرية إلى واقع عملي، نقترح اعتماد وتنفيذ البرنامج التنفيذي التالي:

1- حضور دبلوم تدريبي في تنمية المهارات القيادية والإدارية ووسائلها للمربين يشتمل على دورات متنوعة، تهدف إلى ترسيخ المواضيع السابقة من خلال الدورات التدريبية وورش العمل وحلقات النقاش التعليمية المركزة.

2-   برنامج مصاحب في القراءة والاطلاع والتلخيص.

3- برنامج مصاحب لزيارة الدعاة المشهورين.

أولاً: محتويات دبلوم تنمية المهارات الإدارية ووسائلها:

ويهدف إلى الارتقاء الممنهج في المهارات والوسائل الإدارية، ويتم ذلك بأخذ ما لا يقل عن (50-60) ساعة تدريبية، ويمكن حضورها من خلال الدورات الحضورية للمدربين مباشرة أو عبر منصات التدريب الإلكتروني أو المسجلة في المنصات التدريبية المشهورة أو غيرها تحت العناوين التالية:

1-  الرؤية الاستراتيجية وأهميتها في استشراف المستقبل.

2-  التخطيط التربوي وبناء الأهداف والوسائل التربوية.

3-  التنظيم والترتيب للحلقات التربوية.

4-  مهارات القيادة والتوجيه والتحفيز.

5-  مهارات تنمية روح الفريق.

6-  مهارات بناء القيم والتربية عليها. 

7-  مهارات استخدام وسائط التواصل الاجتماعي في الدعوة والتربية.  

ثانياً: برنامج القراءة والاطلاع والتلخيص:

ويهدف إلى تنمية المعارف وتوليد القناعات بمنهج وأساليب الدعوة النبوية، ومنهج وطريقة الأنبياء في الدعوة إلى الله، واستخدام الوسائل المعاصرة، وذلك بالاطلاع والتلخيص للمواضيع التربوية التالية:

1- مختصر السيرة النبوية في مكة.

2- مختصر السيرة النبوية في المدينة.

3- مبادئ القيادة والتخطيط في هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

4-  القيم وأثرها في تربية النشء.

5-  قراءة في سير الائمة الأربعة.

6- قراءة في تاريخ الدعوة المعاصرة.

7-  وسائل التطوير والتحسين المستمر في الدعوة والتربية.

8-  أهمية وسائط التواصل الاجتماعي في الدعوة والتربية.

9-   تجارب الدعاة المعاصرين في استخدام الوسائل الدعوية.

10- الوسائل الدعوية.. الأهمية والأثر.

ثالثاً: برنامج زيارة الدعاة المشهورين:

ويهدف البرنامج إلى صقل مهارات المربين من خلال الاطلاع المباشر وعن قرب على تجارب وخبرات الدعاة العاملين المؤثرين، والاستماع إلى توجيهاتهم وإرشاداتهم، ويتم ذلك باتباع الخطوات التالية:

1-  تحديد العلماء والدعاة المستهدفين بالزيارة.

2- تحديد أهداف الزيارة.

3- تحضير الأسئلة في الموضوعات التي يرغبون الاستفادة منها.

4- تصميم وتنفيذ البرنامج الزمني للزيارات. 

5-   تقييم وقياس أثر البرنامج من خلال عقد اختبار حقيقي وليس مجرد أخذ الانطباعات.

والله الميسر والهادي إلى سواء السبيل.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة