تُعدُّ المؤسسات التعليمية والمحاضن التربوية من أهم البيئات الإيجابية التي يمكن تهيئتها لتعزيز الابتكار لدى طلابها؛ حيث يكتسب فيها الطلبة خبراتهم واتجاهاتهم الأولية وطريقة تفاعلهم مع المجتمع

تُعدُّ المؤسسات التعليمية والمحاضن التربوية من أهم البيئات الإيجابية التي يمكن تهيئتها لتعزيز الابتكار لدى طلابها؛ حيث يكتسب فيها الطلبة خبراتهم واتجاهاتهم الأولية وطريقة تفاعلهم مع المجتمع، وأن إشباع حاجاتهم وتلبية طموحاتهم وتنمية استعداداتهم وقدراتهم وتعزيز سماتهم الشخصية المرغوبة تقودهم إلى الأعمال الابتكارية.

ولعل هذا المقال يثير انتباه القائمين على المؤسسات التربوية والتعليمية والعاملين فيها وأولياء الأمور والمهتمين بالشأن التربوي عمومًا إلى ضرورة الاهتمام بهذه المؤسسات وتهيئتها بحيث تكون بيئات معززة للابتكار والإبداع، باعتبارها بوابة المستقبل، والمرتكز الأساس لنهضة الأمة وصناعة حضارتها. ولم يعد الاتجاه نحو الابتكار خيارًا، بل أصبح ضرورة واتجاهًا إجباريًا للمؤسسات التربوية حتى تستمر في أداء رسالتها، وتظل قائمة بأدوارها في ظل موجة العولمة والإعلام البصري المؤثر الذي همّش مؤسسات التنشئة الاجتماعية وأفقدها أدوارها، كما أن تميز المؤسسة التربوية بمناخ يعزز الابتكار والإبداع سيمنحها قيمة إضافية تساعدها على التنافس مع غيرها من المؤسسات المؤثرة في المجتمع، الأمر الذي سيمنحها ثقة المجتمع، وذلك بالاعتماد عليها في تربية وتنشئة أبنائه.

إن تهيئة مُناخ معزز للابتكار هو وظيفة أساسية لكل مدرسة أو محضن تربوي بهدف إيجاد بيئة ملائمة لجميع الأفراد فيها، وبالتالي مساعدة المربين على القيام بأدوارهم التربوية والتعليمية بكفاءة عالية، وكذلك تمكين الطلبة للاستفادة من المربين والمناهج والأنشطة استفادة كبيرة ومثمرة، ولا شك أن الابتكار كغيره من القدرات ينمو ويتطور عندما تقوم المؤسسات المعنية بالتنشئة المقصودة والهادفة إلى رعايته وتنميته من خلال الإمكانات المتاحة فيها، كالمناهج والتعليم الموجه والكوادر التربوية المؤهلة والأساليب والتقنيات التربوية الحديثة.

ويتفق العلماء على وجود تفاعل بين الفرد وبيئته، وهذا يؤكد مسؤولية الظروف البيئية المحيطة في تنمية الابتكار، سواء كانت ظروفًا عامة ترتبط بالثقافة المجتمعية، أم ظروفًا خاصة ترتبط بالمُناخ المؤسسي والأسري، وهناك بيئات محفزة للابتكار وبيئات أخرى تؤدي إلى إخماد الطاقة الابتكارية، وبالتالي لا يمكن أن نغفل المُناخ الذي يحيط بالأفراد في مراحل أعمارهم المختلفة، والذي من شأنه أن ييسر ظهور ابتكاراتهم وإبداعاتهم.

وتعد تنمية قدرات التفكير الابتكاري للأفراد بصفة عامة، وللطلبة بصفة خاصة، أحد الأهداف التربوية المُهمَّة التي تسعى المجتمعات إلى تحقيقها، من خلال برامجها التربوية المقصودة وغير المقصودة، لاسيما في الدول النامية التي تهدف إلى اللحاق بمسيرة التقدم والرقى وتطوير الفرد والمجتمع، فلا يمكننا أن نفصل بين الابتكار وبين تطور المجتمعات والشعوب.

لذا فالمؤسسات التربوية والتعليمية لا بد أن تكون مشجعة للابتكار، سواء للموهوبين أم للعاديين، فالابتكار هو أكثر القدرات الإنسانية حاجة إلى بيئة داعمة تعمل على تنشيط العوامل الميسرة له، والتخلص من العوامل التي تعيقه.

أبعاد المناخ المعزز للابتكار:

يُعدُّ المناخ المفتوح من أهم ملامح المُناخ المعزز للابتكار الذي يتسم بدرجة عالية من المرونة، والذي تزدهر فيه حرية الاستكشاف؛ لأنَّه غير مقيد بقوانين معينة، ويمكن تهيئة مناخ معزز للابتكار في المحاضن التربوية والمؤسسات التعليمية كما هو موضح في الأبعاد التالية:

1. العلاقات الاجتماعية:

العلاقات الاجتماعية في ظل المُناخ الابتكاري، سواء بين المربين أنفسهم أم بين المربين وطلابهم أم بين الطلبة مع بعضهم، لا بد أن تتسم بالإيجابية والثقة والاحترام المتبادل، والإحساس بمشاعر الآخرين، كما تتسم بتقدير الطلبة ومراعاة ميولهم واحترام مشاعرهم وظهور مشاعر المحبة والألفة والتعاطف والتعاون بينهم، واعتزازهم بالانتماء إلى مجتمعهم ووطنهم وأمتهم، وتحمل المسؤولية من خلال أدوار الجندية والقيادة التي توكل إليهم، وممارسة النشاطات والألعاب الجماعية في جو من التنافس الإيجابي، واحترام التنوع في الأفكار وتقبل الآراء وحرية التعبير والمشاركة والعمل بروح الفريق الواحد واحترام رأي الأغلبية.

وهذه السمات لها تأثير قوي على المربين والطلبة والعلاقات الشخصيَّة فيما بينهم، وما يتعلَّمه الطلبة عن أنفسهم في المحاضن التربوية، من خلال التفاعل بينهم وبين المربين ومع زملائهم مُهِمٌّ جدًا كأهمية الحقائق العلمية التي يتعلمونها.

كما أن التفاعل بين الطلبة له أثر بالغ في إنشاء علاقات اجتماعية قوية وصداقات متينة مبنية على الاحترام والمودة والنمو الاجتماعي، فالتفاعل الإيجابي يتيح للطلبة فرص تعلم السلوكيات الاجتماعية المناسبة، مثل التعاون ومهارة التواصل، ويعزز الاندماج في الجماعة، وبالتالي تحقيق الذات وتشكيل الصداقات.

2. البرامج الإثرائية:

لا شك أنَّ المحاضن التربوية بحاجة إلى البرامج الرامية إلى تعزيز الدافع الذي يحرك نحو الابتكار، وإلى المُناخ الملائم الذي ينبت فيه الابتكار بوصفهما شرطين أساسيين في بروز القدرات الابتكارية وتنميتها، لذا يجب إعداد وتنفيذ باقة من البرامج والنشاطات الإثرائية التي تسهم في تهيئة مناخ دراسي معزز للابتكار، وتفعيل الدور الإرشادي في زيادة تفاعل الطلاب مع البرامج المقدمة لهم، وفي زيادة تعاون الأسرة والمجتمع المحيط من أجل دعم هذه البرامج، وسنتطرق إلى بعضها كما يلي:

1.    تهيئةُ المُناخ الصحي بالمؤسسة، وتعزيز الرعاية السليمة للطلاب من خلال التوعية حول التغذية الصحية وطرق الوقاية من الأوبئة والأمراض المعدية، وإلزام الطلبة بتمارين يومية للمحافظة على اللياقة البدنية، وتفعيل النشاطات والمسابقات الرياضية المختلفة.

2.    مساعدة الطلبة على فهم أنفسهم، وتدريبهم على وضع الخطط الشخصية، ورسم أهداف تتفق وميولهم وقدراتهم واستعداداتهم، وتدريبهم على استخدام جدول المهام والأعمال اليومية؛ وذلك من أجل الاستفادة القصوى والاستغلال الأمثل للوقت.

3.    الاهتمام بالحوارات والمناقشات الجماعية داخل الصف، والسماح بالمزيد من الحرية والتلقائية، وتشجيع الطلبة على طرح أسئلتهم وأفكارهم واحترامها، وإتاحة الفرصة لهم لممارسة التفكير الناقد، وإعطاء جميع الطلبة فرصة للتحدث بصوت مرتفع عمَّا لديهم من أفكار، لاسيما الذين يبدو عليهم مظاهر الانطواء والخجل، وأخذ الأفكار الجيدة بعين الاعتبار. ومن الفنون التي يمكن تدريب الطلاب عليها فن المناظرات، وذلك من خلال تشكيل فريقين أحدهما يمثل الموالاة والآخر يمثل المعارضة، وطرح قضية للنقاش، وكل فريق يقدم حججه ويفند حجج الفريق الآخر من أجل الفوز، فهذا الفن ينمي القدرات العليا في التفكير، ومن أهمها قدرات التفكير الابتكاري.

4.    تدريب الطلبة على التعلم الذاتي، وطرق وأساليب البحث عن المعلومات، وكيفية جمعها وتلخيصها والتأكد من مصادرها الصحيحة، ثم تدريب الطلبة على نشر هذه المعلومات وتقديمها للآخرين من خلال الوسائل المختلفة، كأن يتم نشرها في صحيفة أو مجلة أو منصات التواصل الاجتماعي.

5.    إنشاء مبادرات ثقافية وعلمية متنوعة، وتوجيه الطلاب إلى الانضمام إليها، وحثهم على المساهمة الإيجابية فيها، وتدريبهم على ممارسة الأدوار التي تتناسب مع ميولهم واهتماماتهم وقدراتهم، مثل مبادرات هيا نقرأ، وطاقة الإبداع، ومعًا ننجح، وغيرها.

6.    تحقيق طموحات الطلبة وتعزيز دافعيتهم نحو الابتكار، من خلال تشكيل فرق عمل من الطلاب المتشابهين في المواهب أو الميول أو القدرات، وربطهم بأنشطة المجتمع المحلي، وحثهم على المساهمة فيها كالأندية العلمية والرياضية والمنتديات الثقافية والمتاحف والمكتبات العامة والمؤسسات الاجتماعية المختلفة.

7.    تهيئة بيئة تعاونية داخل الصف؛ لضمان نجاح التمارين والتدريبات والنشاطات الصفية، وإعطاء الطلبة أسئلة مفتوحة ذات إجابات متعددة لتوسيع مداركهم، وتنمية التفكير التباعدي بالبحث عن الحلول المتعددة وعدم الاكتفاء بالحل الوحيد.

8.    تدريب الطلبة على استراتيجية حل المشكلات، واتخاذ القرار باستخدام الأسلوب العلمي، باعتبارها مدخلاً لتدريب الطلاب على استشعار المشكلات وتقديم حلول إبداعية لها.

فيمكن من خلال هذه البرامج الإثرائية وغيرها أن تسهم المؤسسة في رفع معنويات الطلاب وتوجيه طاقتهم نحو الابتكار والإبداع.

3.التوجيه والإرشاد التربوي:

يعد المربي مرشدًا وموجهًا في وظيفته، ومن أهم الأدوار التي يقوم بها التفاعل الإيجابي مع طلابه بهدف تنمية قدراتهم وتجديد طاقاتهم وتحقيق أهدافهم، ويعتبر القدوة الحسنة والمثل الأعلى بالنسبة للطلبة، الأمر الذي يجعل هذه العلاقة علاقة احترام وتقدير متبادل، ومن ثم فإن تعاطف المربين مع الطلاب وتفهم مشكلاتهم والمساهمة في حلها، يعزز ثقة الطلبة بهم، ويجعلهم أكثر نجاحًا في أداء وظيفتهم.

كما تُعدُّ أساليب التوجيه والإرشاد التي يتبعها المربون ذات أثر واضح في تنمية الابتكار وتحقيقه لدى الطلبة، كإشاعة الحب والتقبل والتقدير والأمن النفسي والاجتماعي، وإتاحة الظروف الطبيعية للنمو، وإتاحة حرية التجريب وحرية التعبير عن شخصياتهم، والمساواة بين الطلاب وتشجيعهم وإتاحة الفرص أمامهم للاستكشاف والتجريب، بعيدًا عن الرقابة الصارمة، وعدم تطبيعهم وتنميطهم على معايير لا تتوافق مع خصائصهم العمرية أو ميولهم ونمط شخصياتهم، كما أن قيام المربي بدوره في توعية وإرشاد طلابه، واتسامه بالدفء والمودة ومراعاة الفروق الفردية بينهم، واتباعه لأساليب تدريس تحقق نجاحهم الدراسي، وتقلل من شعورهم بالخوف والفشل، وتطبيق القوانين بعدالة على الطلبة؛ يشعرهم بالأمن والطمأنينة، وبالتالي يجدون متعة في ساحات المؤسسة وغرفة الصف.

لذا فالمربي يجب أن يقوم بالعديد من الأدوار لتهيئة مناخ يعزز الابتكار ويثريه كقائد ومرشد وموجه وقائم بالأسئلة ومستمع ونموذج وقدوة ومخطط ومستثير للدوافع وباحث ومصدر للمعلومات. وأن يكون ملمًا بخصائص التفكير الابتكاري ومهاراته المتنوعـة، وأن يستخدم طرق وأساليب التدريس الحديثة التي تشجع على تنمية التفكير الابتكاري لدى طلبته، لأنَّ وجود المربي المؤهل والفعَّال يمثل أهم عوامل تهيئة المُناخ المعزز للابتكار.

4.التجهيزات المادية:

التجهيزات المادية لا تقل أهمية عن التجهيزات المعنوية في تهيئة مناخ دراسي معزز للابتكار والابداع في المحاضن التربوية والمؤسسات التعليمية؛ ذلك أن تهيئة المكان الذي يتعلم فيه الطلبة بحيث يكون صحيًا ولائقًا، وأن توفر جميع الوسائل التعليمية الممكنة مثل المكتبة وأجهزة الحاسوب وربطها بالإنترنت، وتخصيص صالات لعرض الإنجازات، وأن يشارك في اختيارها وإعدادها الطلبة والمربون، حتى تكون متلائمة مع احتياجاتهم وتطلعاتهم، ومناسبة لتحقيق أهداف المؤسسة في دعم الابتكار ورعايته.

لذا أصبح من الضروري تهيئة مُناخ معزز للابتكار في مؤسساتنا التعليمية والتربوية، فالاهتمام به بالتحسين والتطوير سيسهم بلا شك في تنمية السلوك الابتكاري لدى المعلمين وطلابهم على حد سواء، الأمر الذي يؤدي إلى توافق الطلبة ورضاهم عن الجو التعليمي، وبالتالي إقبالهم على التعلم وبذل الجهد في التحصيل العلمي، ومن ثم ستظهر كثير من القدرات الابتكارية والإبداعية. 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة