إنجاب البنات هبة من الله تعالى، ونعمة كبرى تستوجب الشكر له تعالى؛ إذ جعل حسن القيام على تربيتها سببًا مباشرًا لوقاية والديها من النار، ودخولهما الجنة

إنجاب البنات هبة من الله تعالى، ونعمة كبرى تستوجب الشكر له تعالى؛ إذ جعل حسن القيام على تربيتها سببًا مباشرًا لوقاية والديها من النار، ودخولهما الجنة؛ عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "دخلت عليّ امرأة ومعها ابنتان لها، تسأل؛ فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي ﷺ علينا، فأخبرته فقال: "من ابتُلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن، كن له سترًا من النار". [أخرجه البخاري:1418].  

وهي أيضًا مسؤولية كبيرة، لذلك لا يتوقف معنى الإحسان إلى البنات على توفير الطعام والشراب فقط، ولكن المعنى المقصود في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فأحسن إليهن"، هو حسن تربيتهن على الدين والفضيلة، وتأديبهنّ على السِتر والحياء، ووقايتهن من كل انحراف فكري أو عقدي، قد يفسد عليهن دينهن، وعندئذ يتحقق جواب الشرط: "كُنَّ له سِتْرًا من النار".

أهمية التدريب على الحجاب قبل البلوغ:

يمثل التدريب على الفرائض قبل أن يحين وقت وجوبها مبدءًا أصيلًا في التربية الإسلامية، فالتدريب يقوم على تكوين العادة في نفس الطفل من خلال الفعل المتكرر؛ فما تكرر تقرر.

ومع حمل الطفل/ الطفلة على (التكرار) المستمر تتم برمجة عقله على أداء هذه العادة الحسنة أو العبادة، حتى تنبعث منه مستقبلًا تلقائيًا وبلا تكلف أو عناء، ويكون من الصعب جدًا تخلِّيه عنها في الكبر. ومن أشهر الأمثلة التطبيقية لهذا الأسلوب الرائد، توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- الأبوين إلى تطبيق قاعدة تدريب الصغار على أداء الصلاة منذ سن السابعة، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْر، وفرقوا بينهم في المضاجع". [رواه أحمد (2/180)].

وهذا الحديث العظيم لا يختص بفريضة الصلاة فقط، ولكنه يؤسس قاعدة تربوية وأسلوبًا عمليًا يُطَبَّقُ مع سائر الفرائض والطاعات والقيم الأخلاقية أيضًا.

ومن أهم هذه الفرائض التي لابد أن يتقدمها التدريب (فريضة الحجاب)، وذلك لِتزامن سن التكليف للفتاة ببلوغها المحيض مع مرورها بمرحلة (المراهقة)، هذه المرحلة الانتقالية بين الطفولة والرشد، والتي لا يخفى ما تتسم به من فوران العاطفة، وشدة الاستهواء، والارتباط الوثيق بجماعة الرفيقات، والتأثر بهنّ، فكيف لو تصورنا فتاةً لم يسبق لها التعامل مع الحجاب تعوّدًا وارتباطًا نفسيًا به، والتزامًا بآدابه، ولم تألفه حتى يصير جزءًا من كيانها، ثم يأمرها والداها بارتدائه صبيحة بلوغها المحيض، فكم نتوقع أن تكون نسبة الطاعة وحسن الاستجابة منها؟!

كيف نهيئ بناتنا؟!

- أقوى برنامج تدريبي.. القدوة الصالحة:

إنّ تعلق الفتاة بالحجاب، يحدث تلقائيًا وهي بعدُ صغيرة في طفولتها المبكرة، من خلال عملية التقليد والمحاكاة لسلوك الكبار، حيث تقلّد أمها فتغطي رأسها بأي قماش تصل إليه يداها، ومع الثناء على فعلها وتلقيه بالبشاشة والتشجيع؛ يتكرر منها هذا (السلوك الجيد) مرارًا، ثم نجدها تبدع فيه وتجدد في أشكاله، ثم ترتبط به نفسيًا حبًا واعتزازًا، خاصة إذا كانت عين الأم التي تراقب ابنتها عن كثب، تمدها بأشكال متنوعة من أغطية الرأس وأثواب الصلاة التي حيكت على قياسها الصغير، فتشعرها بالخصوصية وتدعم بذلك علاقتها بحجابها، وأنه قد صار جزءًا أصيلاً من ملابسها، ولا تنفك متابعة الوالدين –وخاصة الأم– عن ربط الثناء على الابنة في أمر حجابها بمحبة الله تعالى لها، لأنها التزمت بزيّ الفضيلة والحياء الذي اختاره الله تعالى للمؤمنات، ولم يرضَ لهنَّ التعري والتكشف أبدًا، قال تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26].

استمرار دعم الفتاة بالثناء الحسن:

لا يغفل الوالدان عن دعم ابنتهما بالثناء الحسن المعتدل مقابل كل مرة يصدر منها سلوك إيجابي تجاه حجابها، فالإثابة من أهم عوامل تثبيت السلوك الحسن لدى الأبناء، يقول الإمام الغزالي -رحمه الله-: )مهما ظهر من الصبي من خلق جميل وفعل ممدوح فينبغي أن يُكْرَم عليه، ويجازَى عليه بما يفرح به، ويُمْدَحُ بين أظْهُرِ الناس). كما يقرر علماء التربية أن الإثابة هي الأصل في تأسيس عقل الطفل والسيطرة على سلوكه وتطويره وتنمية ثقته بذاته؛ لأنها تعكـس لديه معنى القبول الاجتماعي الذي يحظى به في بيئته المحيطة به، ومن ثَمَّ يُقْبِلُ على تكرار هذا السلوك مستقبلاً.

اعتماد أسلوب الحوار الهادئ المثمر:

إنّ أكبر المخاوف التي تنتاب الوالدين تجاه حجاب ابنتهما، هو الخوف من عدم صمود الفتاة أمام ردات الفعل السلبية المتوقعة، مثل السخرية، والتثبيط، أو الهجوم والتنمر، وكذلك ترديد الشبهات التي يروّج لها الإعلام حول الحجاب، والتي لا تصدر إلا عن أناسٍ اصطبغت عقولهم بالملوثات العلمانية التي باتت تملأ الغلاف الجوي لمجتمعاتنا المسلمة، ومن المتوقع أن يصدر ذلك من قريباتها أو زميلاتها، وربما من إدارة المدرسة نفسها، لذلك على الوالدين أن يقوما بتهيئة عقل الفتاة وتدريبها على الرد على ما يثار من شبهات حول الحجاب، ودعاوى كلها باطلة، وذلك من خلال جلسات أسرية دافئة ومتكررة، للحوار والإقناع، وسوْق الدليل من القرآن والسنة، معظِّمين له، مُبيّنينَ أن الطاعة لأمر الله تعالى ورسوله هي سبيل الفلاح في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: (إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51].

ومن ثمرات هذا الحوار المهمة: تدريب عقل الفتاة على الربط بين العبادة المفروضة والمقصد من تشريعها، وهذا الأسلوب يجعلها تنشأ على تعظيم الشريعة ومعرفة ربانيتها وكمالها، فيبين الوالدان لها المقصد العظيم من تشريع الحجاب لصيانة المرأة من أن تفتِن أو يُفْتَتَن بها، ومن ثمَّ صيانة المجتمع المسلم من الانفلات الأخلاقي إذا كُشِفَت العورات وأُطْلِقَ النظر.

ومع تكرار هذه الحوارات الهادئة، تتكون لدى الفتاة الفكرة الصحيحة عن الحجاب والشعور الوجداني السليم تجاهه؛ فتزداد اعتزازًا وتمسكًا به، وتكون متمكنة من الدفاع عنه.

والآن.. لنرتب للحفلِ الكبير:

حقًا إنه يومٌ سعيد؛ يوم ارتداء كل فتاة للحجاب بشكل ثابت ومنضبط، وهذه المناسبة لابد لها من احتفال كبير يقيمه الوالدان لتتويج الملكة الصغيرة، وتقديم الهدايا وإظهار الفرح أن وفقها الله تعالى لطاعته والتحلي بلباس المؤمنات، قال تعالى: (وقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ) [النور:31].

بل إنّ طاعة الأبناء لله تعالى هي قرة عين والديهم ومنتهى سعادتهم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان:74]، قال ابن عباس في تفسيرها: "يعنون من يعمل بالطاعة، فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة". وقال عكرمة: "لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمالاً، ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين".

هذا الحفل سيكون من أهم الذكريات، لذلك لابد من الاهتمام بكل تفاصيله وما سيتركه من أثر طيب في نفس الابنة وصديقاتها المدعوات، ومن أهمها تلك التفاصيل:

- أن تتشارك الأم وابنتها في الإعداد للحفل، والاتفاق على تفاصيله، مثل: (التاريخ والوقت والمكان – الميزانية – قائمة المدعوين – شكل الديكور – ألوان الملابس – أنواع الحلوى المقدَّمة – فقرات الحفل).

- تصطحب الأم ابنتها في جولة للتسوق وشراء كل ما يلزم الحفل؛ ما قد اتفقتا عليه سابقًا، ولتترك لها المجال لانتقاء حجابها وملابسها الخاصة بالحفل بألوان رائعة من اختيارها.

- من الأهمية بمكان دعوة صديقات الفتاة إلى الحفل، والاحتفاء بهنّ، وكذلك من تراه الأم مناسبًا من الأقارب والجيران.

- وفي الكلمة التي ستلقيها الأم لتهنئة ابنتها، لابد أن تؤكد للصغيرات على معنى الإخلاص في العبادة، فقد تعتري نفس الفتاة آفة العجب كما تعتري نفس الكبير إن لم يُوجَّه ويُنَبَّه لذلك، وتعلمهنَّ أن يَرْدُدْنَ الفضل دائمًا لله تعالى فيما يُوَفَّقْنَ إليه من الطاعات، تاليةً عليهنَّ قول الله تعالى: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88].

- لا مانع أن تلقي الفتاة نفسها كلمة تعبّر فيها عن مشاعرها الفياضة نحو حجابها، وتحكي لصديقاتها كيف تعودت عليه مذ كانت صغيرة، وماذا تتمنى لصديقتها غير المحجبة؟!

وسيكون الحفل مفعمًا بالبهجة والسرور عبر أجمل أناشيد الحجاب التي ترددها الابنة وصديقاتها؛ فما أروعه من حفلٍ!! وما أجملها من ذكرى!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

- الدور التربوي للوالدين في تنئشة الفتاة - د. حنان عطية الطوري الجهني.

- بناتي حياتي - أسماء محفوظ.

- الصحة النفسية للمراهقين - د. حاتم محمد آدم.

- محمد شاكر الشريف - نحو تربية إسلامية راشدة.

مقالات ذات صلة
التعليقات
  1. 6 نوفمبر 2021
    نجاع تسنيم

    السلام عليكم...موضوع مفيد جدا ... بارك الله فيكم وجزاكم كل خير

إضافة تعليق
ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة