في بداية 2020 ظهر الفيروس كوفيد 19 أو الكورونا كما انتشرت تسميته، وقلب العالم رأسًا على عقب، فجعل الناس يلتزمون منازلهم غير راغبين ولا راضين، وأُقفلت المساجد ودور العبادة وتوقف الطيران.

في بداية 2020 ظهر الفيروس كوفيد 19 أو الكورونا كما انتشرت تسميته، وقلب العالم رأسًا على عقب، فجعل الناس يلتزمون منازلهم غير راغبين ولا راضين، وأُقفلت المساجد ودور العبادة وتوقف الطيران. باختصار تجمد العالم لأشهر حتى استطاع أن يعي ما حصل ويعود للعمل من جديد، محاولاً السيطرة على عدد الإصابات، وطبعًا كانت المدارس والجامعات وجميع مؤسسات التعليم من ضمن ما توقف، ووجدت الإدارات التعليمية في الدروس عبر الإنترنت بديلاً جيدًا لتدارك مسيرة العملية التعليمية.

وبدلاً من ذهاب الأطفال إلى المدارس كل يوم لست ساعات متوسطة، أصبحوا يجلسون أمام أجهزتهم الإلكترونية سواء أكانت هواتف أم أجهزة لوحية أم حاسبات طوال تلك المدة لسماع الدروس ومحاولة التفاعل معها، والتي لم يكونوا معتادين عليها، مع محاولات مضنية لبعض المعلمين بجعل الطالب يتفاعل ويستمع بشكل فعال للدروس الإلكترونية. وبحكم عملي في التعليم لوقت ما قبل الكورونا، وتواصلي مع أمهات اشتكين من أولادهنّ الذين يتركون شاشة الدرس وينتقلون لصفحات الألعاب ومواقع التواصل الاجتماعي، وبعد أن كان البعض قادرين على ضبط استعمال أطفالهم للشاشات تفلتت الأمور من أيديهم، ووجدوا أنفسهم فاقدي السيطرة تمامًا.

فهل نحن قادرون فعلًا على تربية الأطفال بعيدًا عن الأجهزة الذكية حتى سن البلوغ وقدرتهم التقييم والمحاكمة؟! ومن يحدد هذا السن!!

الأجهزة الذكية.. ألعاب ومواقع تواصل اجتماعي؟!

لا تقتصر الأجهزة الذكية على وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب، بل هي وسائل تعلم وعمل وثقافة واسعة للغاية، المشكلة حين يستلم الطفل هذا الجهاز في سن صغيرة فلا يعرف منه سوى التسلية وكأنه لعبة بين يديه! فيدخل مبكرًا لوسائل التواصل الاجتماعي ويتابع المؤثرين الذين يبثون أفكارهم دون رقابة، ولم يخطئ من أسماهم المؤثرين؛ فهم فعلاً مؤثرون إما بشكل إيجابي أو سلبي، والأغلب تأثيره سلبي، إن لم يكن بفكره وأفكاره وما يقدمه فهو يؤثر بشكل سلبي من خلال ما يلي:

-         تغذية النرجسية والشعور بالفردية عند الطفل المتابع:

فكم من طفل لم يبلغ الحلم بعد، أصبح كل همه في الحياة عمل قناة على اليوتيوب أو التيك توك والحصول على متابعين بالآلاف مثل فلان، دون التفكير في محتوى يقدمه، المهم أن يصبح مشهورًا.

-         المقارنة والشعور بالنقص:

أصبح الإنجاز مرتبطًا عند الكثيرين -وخصوصًا الأطفال والمراهقين- بعدد المتابعين على القنوات وبكمِّ الإعجابات التي يحصدونها، وبالتالي الأرباح التي يحصلون عليها!! فيقارن الطفل أو المراهق نفسه بمصروف بسيط يأخذه من والده وقليل من الأصدقاء في الحي والمدرسة، ويعد نفسه فاشلًا ويبحث عن طرق لتوسيع معارفه ونطاق شهرته ولو كانت على حساب نفسه.

-         الإدمان:

ولا يغيب عنا تأثير المواقع الإباحية وقدرتها على جذب المتابعين من المراهقين وأحيانًا من هم قبل البلوغ؛ يجذبهم الفضول وغياب الرقابة ويعلقون في شباك الإدمان.

بالإضافة لإدمان مواقع التواصل الاجتماعي نفسها، أو إدمان الألعاب، ففي المجمل الإدمان هو كل ما يجعل المدمن يقع تحت سلوك قهري لا يقدر على التخلص منه ويعطل حياته الاجتماعية والعملية لأجله.

-         الهروب النفسي:

يستخدم الكثير من المراهقين والأطفال الهواتف الذكية هربًا من واجباتهم الدراسية والاجتماعية، أو هربًا من مشكلات عائلية تسبب عدم استقرارهم النفسي، وتجعلهم غير راغبين بقضاء الوقت مع الأهل.

-         إجهاد العين الرقمي:

ظهر هذا المصطلح في السنوات الأخيرة بعد انتشار العمل والدراسة عبر الإنترنت، وتحول الكثير من الأنشطة لشبكة الإنترنت، والذي من أعراضه:

·       الصداع.

·       مشكلات في التركيز.

·       آلام في الظهر والرقبة.

·       تعب عام.

·       تحرك الكلمات على الشاشة أثناء النظر لها.

وبين حاجة فرضتها تطورات الحياة مؤخرًا من عمل وتعلم عبر الإنترنت، وبين أضرار لم يختلف عليها أحد؛ يحتار الأهل في طريقة التعامل مع أطفالهم، وكيفية التحكم وضبط أحوالهم بحيث لا يقعون فريسة لأضرار الأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.

من يضع الإطار يحكم النتيجة:

الأهل هم المسؤولون عن الأطفال وعن تربيتهم وتوجيههم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"؛ فلا معنى لقول أحدهم: لا أقدر على منع طفلي من قضاء ساعات وهو يلعب، أو لا أستطيع منعه من لعب اللعبة الفلانية، فهم من يضع قوانين المنزل ويحكمون أموره ويسيرون شؤونه. وحين يسير المنزل على هذا الأساس في كل الأمور مهما كانت فإن الأجهزة الذكية ستكون من ضمنها، مثل التحكم بساعات اللعب والعمل على الأجهزة، وما البرامج التي يعملون عليها، وكيف يستخدمون تلك الأجهزة!! ولهذا الأمر بضعة ضوابط:

1)    ساعات اللعب والتعلم:

أثبت التربويون والأطباء أنه يجب على الطفل تحت السنتين ألا يتعامل مع الأجهزة الذكية مطلقًا، وبين سنتين و6 سنوات يسمح له بساعة واحدة فقط، أما من 6 لـ12 سنة فالمسموح هو ساعتان يوميًا فقط.

ويمكن التحكم بتلك الساعات بشكل مرن بحيث يصبح نصيب أيام الإجازة أكثر ويُسحب من ساعات بقية الأسبوع، طبعًا يحتاج الطفل إلى نفس طويل في التعامل معه؛ لأنه سيحاول أن يزيد نصيبه ويتملص من الالتزام بذلك ويطلب باستمرار خمس دقائق إضافية! لذلك فمن المفضل التذكير المستمر قبل انتهاء الوقت.

الصيغة الأفضل للتذكير بالنسبة للطفل: (باقٍ نصف ساعة على وقت الطعام أو نصف ساعة للخروج)، بدلًا من (باقٍ نصف ساعة لانتهاء وقت الهاتف)؛ بحيث تذكر الطفل أن أمامه أنشطة أخرى ممتعة يقوم بها.

2)    منع وسائل التواصل الاجتماعي قبل سن معين:

الهاتف والجهاز اللوحي يحملان علمًا واسعًا، وقدرة كبيرة على الاستكشاف بالنسبة للطفل، وليس فقط مجرد تسلية ووسائل تواصل اجتماعي، فيمكن للطفل تعلم البرمجة والكثير عما يشاء من العلوم من خلاله، إضافة إلى قراءة القصص المفيدة التفاعلية من خلال تطبيقات ممتعة، وتعلم اللغات وغيرها من الأنشطة.

3)    النقاش والوعي وتعليم القيم حسب السن المناسب:

أن تعطي الهاتف للطفل لا يعني تركه وما يشاهد، بل من الواجب سؤاله عما فعل عليه، والمتابعة بعده، ورؤية الألعاب التي يلعبها، والنقاش في حال رأى شيئًا مخلاً أو لا يناسب عقيدته ودينه، بحيث تكون لديه مهارة التقييم وموازنة ما يرى من خطأ وصواب، وحلال وحرام.

4)    لا جهاز خاص للطفل قبل 15 عامًا:

أيضًا من الأمور التي يجمع عليها التربويون ويركز عليها د. جاسم المطوع عدم إعطاء الطفل جهازًا خاصًا به قبل سن الخامسة عشرة، وجعل جهاز واحد للمنزل أو الإخوة يكون مفتوحًا للجميع، ويقدر الجميع على رؤية ما فيه ومتابعة ما عليه. وطبعًا وسائل الحماية من الإباحية وبرامج الحجب واستعمال محركات البحث الخاصة بالأطفال أمر لا بد منه على تلك الأجهزة.

5)    الكثير من الأنشطة البديلة:

هناك عشرات الأنشطة التي يمكن للطفل أن يقوم بها بدلاً من الجلوس للهاتف، وطبعًا تساعد في ملء وقت الطفل والمراهق وتجعله يوسع مداركه وينفتح للحياة أكثر بكثير.

الأعمال المنزلية والمساعدة بها من الأمور التي تجعل الطفل يشعر بانتمائه للعائلة، وبأنه فرد مسؤول فيها، وتنمي عنده حس المسؤولية والقدرة على إدارة الأمور.

ساعة يومية للنقاش مع الأسرة، بمواضيع يختارها أفراد الأسرة معًا ويشاركون بها، بحيث تكون مناسبة لأعمارهم.

6)    لا أجهزة على المائدة:

وقت تناول الطعام فرصة جيدة للتواصل مع الأهل والجلوس معهم، وانشغال كل فرد من الأسرة بهاتفه يجعل هذه الفترة غير ذات قيمة.

7)    الأهل قدوة أولًا:

لا يمكن أن تطلب من الطفل أن يمتنع عن لعب لعبة معينة ووالده يلعبها أمامه، أو أن يضع هاتفه جانبًا أثناء الطعام والأم تتصفح الفيسبوك أثناء الفطور، فالأطفال يتمثلون أهاليهم، ويطبقون ما يرونه وليس ما يسمعون. لذلك من المفيد في هذه الرحلة ضبط تعامل الأهل مع الهواتف.

وقد يكون هذا صعبًا في بعض الأحيان بسبب طبيعة عمل الأب أو الأم التي تستلزم تعاملاً مستمرًا مع الهاتف، وحينها ستخبر الطفل بأن هذا عمل، وتناقشه حسب سنه، ومهما سأل ستعيد عليه الإجابات نفسها دون كلل.

ضبط التعامل مع الهواتف الذكية يحتاج مدة طويلة حتى الخروج بسلام قدر المستطاع، ولن يجد الأهل أي فائدة من أم تمنع وأب يسمح دون قيود أو العكس، وأيضًا حين نطلق العنان لهم لاستعمال هواتفهم دون ضوابط ونكتشف الخطأ فنأتي للمنع دفعة واحدة؛ لأن هذا سيجد نتيجة عكسية، وسيحتاج تعاملاً خاصًا وخطة طويلة المدى، وكذلك المنع والسماح، ثم المنع من جديد، فلا قواعد تضبط الأمر، وسيعتقد الأطفال أن ما يرغبون به هو ما يحصل؛ لذلك ستكون النصيحة الأخيرة هي:

لا تستسلم، واستعن بالله؛ فالأمر لم يعد خيارًا، بل حالة مفروضة في المنازل، وعلينا التعامل معها. 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة