يولد الإنسان من رحم أمه، ويبحث أول ما يبحث عن ثدي أمه ليسكت جوعه، ولا يجد طريقة يعبر بها عن نفسه سوى البكاء، عن جوعه وعطشه، ولاحقًا يطلب الاهتمام والاحتضان فيبكي ليحمله أحدهم ويشعر بالأمان في حضن أمه أو أبيه

يولد الإنسان من رحم أمه، ويبحث أول ما يبحث عن ثدي أمه ليسكت جوعه، ولا يجد طريقة يعبر بها عن نفسه سوى البكاء، عن جوعه وعطشه، ولاحقًا يطلب الاهتمام والاحتضان فيبكي ليحمله أحدهم ويشعر بالأمان في حضن أمه أو أبيه، ويضحك حين يرى أحدًا يلاعبه أو يضحك له، وحين يكبر قليلاً فإنه يبدأ بالكلام والحركة، ويشجعه تقدير من حوله وتجاهلهم لأخطائه، بل وحماسهم لحبوه ومشيه وأولى كلماته.

كل تلك الحاجات التي تولد مع الطفل ويطالب بها بنفسه ليجعل من حوله يلبونها له، هي الحاجات النفسية التي ذكرها ماسلو في هرمه المشهور المعبر عن الاحتياجات النفسية للإنسان، فتجد أن الأهل يحققون للرضيع والطفل في بداية نموه المراحل الثلاثة الأولى من هذا الهرم.

إلا أن البعض يتوقف عن تلبية تلك الاحتياجات مع مرور الوقت، ويكتفون بالاحتياجات الفيزيولوجية للطفل والتي لا تسد الشعور النفسي والرغبات العاطفية. ومع الوصول إلى مرحلة المراهقة يصبح للاحتياجات النفسية (التواصل العاطفي والترابط الأسري والتقدير) أهمية أكبر بكثير من قبل، ويعبر المراهق والشاب عن حاجته إليها بطرق متعددة، قد تكون غير مفهومة بالنسبة للأهل، مثل العناد، الصوت العالي، الغضب المستمر، الكذب، السرقة، الأكل العاطفي، أو العلاقات العاطفية غير السوية، والتي يعتقد المراهق أنه يعوّض فيها علاقته بأهله.

ولكون الفتاة غالبًا ما تكون عاطفية أكثر من الشاب، وحاجتها للدعم العاطفي والشعور بالتواصل مع الآخرين والتقدير منهم لأنوثتها أكبر؛ فإن حرمانها منها قد يجعلها تبحث عن تلك المصادر العاطفية خارج نطاق الأسرة من خلال علاقات عاطفية غير شرعية.

الدعم، التقدير، أن تكون مرئية، الشعور بأنوثتها، الاحتواء، الأمان... كلها حاجات طبيعية لكل فتاة تأمل أن تجدها في عائلتها وبالأخص من الأب.

ما الذي يجعل علاقة الفتاة بوالدها مميزة؟!

حاول الكثير من علماء النفس تفسير ميول الأب لابنته وحبه لها، وميل الفتاة لأبيها بالذات بشكل مختلف عن أمها، وقالوا منذ زمن: (كل فتاة بأبيها معجبة)، فالأب هو الرجل الأول دائمًا في حياة الفتاة، وهو ما يمثل الجنس الآخر (الذكر) بالنسبة لها، والعوالم التي لا تعرفها عن الرجولة والتي تكتشفها من خلال وجوده في حياتها ورؤية علاقته بأمها في المنزل، والتي ستنطبع في ذهنها وتتشكل فيه صورة الرجل الذي ستبحث عنه لاحقًا، فإن كان أبًا جيدًا، حنونًا، متفهمًا، فإن انطباعها عن الرجال سيكون جيدًا، وإن كان قاسيًا مؤذيًا فهذا سيطبع في نفسها صورة سلبية عن الذكور، وغياب الأب الذي قد يكون موجودًا بجسمه ولكن غائب بفعله وحضوره مع ابنته وبسبب ضغط الحياة الاجتماعية والمادية خصوصًا؛ فإن الكثير من العائلات بات يقتصر فيها دور الأب بالنسبة لأولاده على أنه مصدر للمال، ثم يفيقون حين تقع مصيبة ما ولا يفيد قولهم: يا ليت!

وتواجه الفتاة عدة مشكلات نفسية واجتماعية بسبب غياب الأب؛ منها:

1- عدم الشعور بالاستحقاق وتقدير الذات:

تعتقد الفتاة أنها السبب في عدم حصولها على الاهتمام من والدها؛ لأنها ليست جميلة أو ذكية أو متفوقة، أو أنها غير مهذبة أو مثالية كما يتصور الأب، وهذا يؤدي إلى تدني تقديرها لذاتها، وينعكس سلبًا على كل نواحي حياتها الاجتماعية والعلمية والعملية وحتى العاطفية.

2- الإصابة باضطرابات الأكل:

مثل فقدان الشهية العصبي، الشَّرَه المرضي، اضطرابات صورة الجسد، وقضاء الوقت والانشغال بشكل دائم بالتفكير بالتغذية والطعام وجداول الأكل بشكل غير صحي.

3- الاكتئاب والقلق:

بسبب الشعور بالخوف وعدم الأمان؛ فإن هذا سيتم ترجمته عبر عدة تصرفات:

-  عدم التفاعل مع المجتمع والبقاء وحيدة، وعدم قبول إقامة أية علاقات اجتماعية.

-  الدخول في علاقات عاطفية فاشلة وغير صحية تؤدي بها إلى المزيد من الاكتئاب بسبب سوء الاختيار، الذي يعتمد على وجود أي شخص حولها، وغالبًا ما تكون علاقاتها من النوع الاعتمادي الذي يجعل الطرف الآخر -سواء أكان زوجًا أو حتى صديقة- تنفر منها لكثرة الضغط عليها.

4- الإدمان:

سواء أكان إدمان الإباحية أم العقاقير أم الإنترنت، وهذا السلوك المتكرر يجعلها تشعر بالأمان؛ لأنه لا يتغير ويمنحها شعورًا بالاستقرار الزائف.

5- إقامة علاقات غير شرعية:

بسبب بحثها عن مصدر للأمان من رجل، فإن هذا قد يؤدي بها إلى الوقوع في شراك أول شخص يقوم باللعب على الوتر العاطفي عندها، وقد يتسبب هذا في علاقات محرمة إذا لم تكن على درجة كافية من الوعي، أو تجد من يساندها للخروج من تلك العلاقة.

كيف تكسب ابنتك وتحميها؟!

قد يعتقد بعض الآباء أن اكتساب بناتهم إلى صفهم وحمايتهم يحتاج إلى مال ووقت كثير وجهد يبذلونه، لكن الأمر أبسط من ذلك، فالدعم النفس والعاطفي عليه عامل كبير في العلاقة بين البنت وأبيها، وله أثر كبير ونتيجة مبهرة مع الوقت.

الكلمة الطيبة:

لا ترغب الفتاة إلا ببضع كلمات طيبة في كل فرصة، شكر حين تقوم بعمل ما يعجبك، تشجيع حين تنجح في دراسة أو عمل، مديح لشكلها وأنوثتها إن ارتدت ثوبًا جميلاً، فالكلام هو مدخل قلبها، ومصدر ثقتها بنفسها؛ لأنها تثق بوالدها وتعرف أن هذا لا غرض له منه، وستبقى عطشى لهذا الكلام إن حُرمت منه في المنزل، وإن لم تسمع سوى التوبيخ والمقارنات والتقييم السيئ.

وكل ما ذكرت له تفصيل وحده، ولكن يجتمع تحت بند الكلمة الطيبة التي تجبر القلب وتسعد الروح وترقى بالعلاقة إلى مستويات أجمل.

الاحتواء والأمان:

غياب الأب المعنوي أو المادي والمعنوي يُشعر الفتاة بالضعف وقلة الحيلة، وقد تلجأ لوسائل غير صحية للشعور بالأمان، مثل الإدمان أو الاكتئاب أو العلاقات غير الصحية، والتي لا تجني منها إلا الخيبة والمزيد من فقدان الأمان.

أيضًا يصبح هذا العنصر مهمًا أكثر في حالات المشكلات والطوارئ؛ لأن الخطوة الأولى من الخطأ إن وقعت فإن تداركها قد يكون ممكنًا إن قوبل بالاحتواء والقبول، أما إن قوبل بالعصبية والعقاب دون البحث عن جذر المشكلة وحله؛ فإن الأمر سيصبح حله أكثر صعوبة.

الثقة:

أي شخص يحتاج أن يمده من حوله وعائلته بالدرجة الأولى بالثقة التي تجعله يتقدم ويقوم بالمزيد من الأفعال ويخوض غمار الحياة، والفتاة أكثر ما تحتاج إلى تلك الثقة لتنعكس على نفسها وتكون واثقة بكل خطوة تقوم بها بنفسها وبقدرتها على تجاوز أي أزمة.

بالإضافة إلى أن تلك الثقة ستشكل بالنسبة لها وازعًا يمنعها من القيام بأمور تخالف القيم التي تسير عليها الأسرة، وهذا يقودنا إلى نقطة تالية.

الحوار والاستماع:

تحتاج الفتيات إلى التكلم عن مشاعرهنّ وأفكارهنّ، والبوح بما يعتمر في صدورهنّ باستمرار من أسئلة ومواضيع قد تُشكَل عليهنّ، وجزء من هذه المواضيع من المهم أن يشارك الأب في الحوار عنها، ويستمع إليها ولا يأنف من هذا، ويصحح لها ما أشكل عليها، وحين يشاركها بتجاربه في الحياة، أو يستشيرها في أمر ما ولو بشكل ظاهري سيجعلها تتشجع وتملك الثقة لتحدثه أو تستشيره بأي مشكلة قد تقع بها؛ لأنها تعرف أن هناك يدًا ستنقذها ولا تتركها لو حدث ووقعت في أي طارئ.

التصديق على الرغبات الطبيعية:

الحب والرغبة في الزواج والأمومة وبناء منزل، حاجات ورغبات طبيعية عند كل من الشاب والفتاة، ولكن بسبب تربية مجتمعية خطأ فإنه من العيب على الفتاة أن تلمح ولو من بعيد عن رغبتها في هذا، ومازالت بعض المجتمعات حتى الآن تزوج الفتاة دون استشارتها أو قبولها! فلا بأس بالتصديق على تلك الرغبات وتوضيح طبيعتها وأنها أمر طبيعي لا بأس به، البأس حين تقودنا حاجات نفسية كهذه للوقوع في علاقات غير صحية أو القبول بأي زوج يطرق الباب.

إظهار الحب بشكل مستمر:

من خلال الكلمات الجميلة والشكر كما ذكرنا، ومن خلال التشجيع والهدايا البسيطة المستمرة، وتذكُّر مناسباتها ومعرفة ما تحب والحرص على القيام به، وإظهار المحبة لما تحبه من صديقات، المدح والثناء أمام الآخرين والابتعاد عن المقارنة بين قريناتها، وطبعًا دعمها بشكل دائم في كل مراحل حياتها وفي اختيار ما ترغب من دراسة وعمل، مع النصح والتوجيه.

تقوية الوازع الديني:

كل ما سبق سيكون متوازيًا مع تقوية الوازع الديني داخل الفتاة، وتذكيرها بالله ووجوده معنا، وأهمية خشيته والخوف منه، مع التركيز على حب الله لنا وتكريمه للفتاة المسلمة ورفعه لمنزلتها، والذي ستراه الفتاة متمثلًا في تعامل الأب الراقي معها، فالعمل على جناحي الخشية والحب، يجعل القلب متوازنًا عاقلًا يعرف ما له وما عليه.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة