التعزيز هو شكل من أشكال المكافأة على السلوك الحسن، ما يؤدي إلى تكرار هذا السلوك وتقويمه، بالإضافة إلى اكتساب سلوكيات أخرى إيجابية...

يميل الإنسان بفطرته إلى التشجيع والدعم والتقدير؛ حيث يعزز ذلك روح الاستمرارية والثبات على الفعل والسلوك الإيجابي، ولا سيما الطفل بالأساس الذي هو بمثابة النبتة الخصبة لزرع السلوكيات الإيجابية لحصد نتاج عقل ووجدان سوي على المستوى الشخصي، وبالتالي ينعكس بالضرورة على تحضر الأمم.

"إن مفهوم الثواب والعقاب جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية؛ حيث إن كل أعمالنا تترتب عليها عواقب طبيعية؛ حيث يمكن تطبيق هذه الحكمة نفسها في مجال تربية الأطفال؛ فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا فيما يروي عن ربه -عز وجل- قال: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ، إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له سَيِّئَةً واحِدَةً". هكذا يخبرنا الدكتور مصطفى أبو سعد عن استراتيجية تعزيز السلوك الإيجابي عند الأطفال.

فمن خلال الحديث القدسي السابق ذكره، تتجلى رحمة الله تعالى التي يجب أن تنعكس بالضرورة على تربية الأبناء؛ فيؤثر في قلوب الأطفال التشجيع والثناء والتقدير والشكر، وبالتالي لم تكن المؤثرات السابقة تعزز السلوك الإيجابي للأطفال وحسب، بل تحد أيضًا من السلوك السلبي، ومن ثم يزيد من احترام الطفل لنفسه.

الهدف من تعزيز السلوك الإيجابي للأطفال:

التعزيز هو شكل من أشكال المكافأة على السلوك الحسن، ما يؤدي إلى تكرار هذا السلوك وتقويمه، بالإضافة إلى اكتساب سلوكيات أخرى إيجابية.

ويوجه الدين الإسلامي الهدف من تعزيز السلوك الإيجابي إلى السعي لتحسين الأخلاق للسمو بها نحو الجنة، فتتميز المدرسة الإسلامية عن غيرها من المدارس الأخرى بأنها تمتلك هدفًا يفوق كل الأهداف الجزئية، وهو طاعة الله -عز وجل-، ليكون بمثابة مقياس واضح يوحد العملية التربوية.

"ولذلك، كان أول ما تعلمه الصحابة هو الإيمان، فإذا خرج السلوك عن مقتضيات الإيمان بالله، يتم تقويمه بما يحقق هذا الهدف، فعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا". [رواه ابن ماجه: 61]، وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (1/37، 38).

ومن ثم، لا بد من ربط السلوك الإيجابي للطفل بالأهداف الأخروية بعيدًا عن الترهيب والتعنيف، من خلال اتباع الأساليب الحسنة والتشجيع والثناء على السلوكيات الإيجابية.

فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يكاد يرى سلوكًا صحيحًا من الأطفال إلا وشجعهم عليه وأثنى عليهم.

فن تعزيز السلوكيات الإيجابية عند الأطفال:

تهدف عادةً أساليب تعديل سلوك الأطفال إلى العمل على تغيير السلوكيات غير المقبولة وتحويلها إلى سلوكيات جيدة، فهناك العديد من الأطفال من يعاني من اضطراب السلوكيات نتيجة لبعض الظروف، ولكن هناك دائمًا حل وعلاج لكل مشكلة من خلال تعزيز السلوك الإيجابي للطفل، فيمكن إثابة الطفل على سلوكه الإيجابي بالثناء عليه أو بالكلمة الطيبة كما حثنا رسولنا الكريم في حديثه "الكلمة الطيبة صدقة"، أو حتى من خلال منحه هدية مناسبة له، فكل تلك الأساليب ترفع من ثقة الطفل بذاته وتدفعه إلى تكرار السلوك الإيجابي للحصول على التقدير المادي أو حتى المعنوي.

ولتعزيز السلوك الإيجابي أساليب ووسائل متعددة، والتي تبرز أهمها في:

1- المعززات الغذائية:

بحسب العديد من الدراسات، فالمعززات الغذائية ذات أثر بالغ في تقويم السلوك، لذا فاحذر! فقد يترتب على هذا النوع من التعزيز العديد من المشكلات؛ إذ إنه من غير المقبول أن يكون تعزيز السلوك الإيجابي مرهونًا بالمحفزات الغذائية من الطعام والشراب.

هل هذا يعني أنه يجب التوقف أو نبذ تعزيز السلوك الإيجابي بالمعززات الغذائية؟

لتقديم المعززات الغذائية ضوابط وشروط وإلا ستؤدي إلى نتائج سلبية وخيمة، ولحل تلك المشكلة يمكن اتباع الضوابط التالية:

-         استخدام أكثر من معزز دون الاعتماد على المعززات الغذائية وحدها.

-         احذر أن تعزز السلوك الإيجابي للطفل في المرة الواحدة بأكثر من معزز.

-         لا تفرط في إعطاء الطفل كميات كبيرة من المعزز الواحد في المرة الواحدة.

-         دمج المعززات الغذائية بأخرى اجتماعية حتى لا يكون المعزز الأساسي هو الطعام والشراب فقط.

2- المعززات المادية:

وتشمل (الألوان والألعاب والقصص وغيرها)، ولكن رغم فاعلية هذا النوع من المعززات للسلوك الإيجابي للطفل، إلا أنه قد يدفع الطفل بعض الشيء للقيام بالسلوك الإيجابي رغبة في الحصول على المعزز أو الحافز دون التطلع إلى فائدة العمل ذاته، وبالتالي قد يصبح الطفل ماديًا متطلعًا نحو النتيجة وليس الهدف.

ولذلك علينا التروي في هذا الأمر، فلا بد من إفراد الحديث إلى الطفل وتوعيته بأهمية السلوك الإيجابي كالصدق أو المشاركة في المهام والأعمال المنزلية. وإذا كانت هناك حاجة لمنح مكافأة، فسيكون من الجيد منح طفلك هدية من وقتك ومشاركة تجربة معًا لتطوير رابطة الثقة بينكما على سبيل المثال. وليس من الضروري أن تكون رحلة عائلية كبيرة، بل يمكن أن تكون لحظة مشتركة بسيطة للعب أو قراءة كتاب؛ حيث إن "الوجود معًا" هو المهم وليس الحدث نفسه.

فقد كان الرسول ذاته -عليه الصلاة والسلام- يقدم الهدايا واللعب للأطفال؛ فعن عائشة -رضي الله عنها-: "أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي، فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ". [رواه مسلم].

والمقصود بالبنات هنا هي التماثيل واللعب التي كانت تسمى بلعب البنات.

3- التوجيه على السلوك والخلق الحسن بالدعاء:

يروى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين عن ابن عباس في قصة مبيته وهو طفل عند النبي، قال: "فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- الخلاء فوضعت له وضوءًا، قال: من وضع هذا؟! فأخبر، قال: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل".

فكان دعاء النبي هذا أعظم مكافأة وإشادة بالعمل الإيجابي للطفل، وتشجيعًا له وتحفيزه دومًا على القيام بالسلوكيات الإيجابية الطيبة.

4- تعزيز السلوك الإيجابي بالثناء:

كذلك أثنى رسول الله على جعفر بن أبي طالب لحسن خلقه وتشجيعه على السلوك الإيجابي بقوله: "أشبهت خَلقي وخُلُقي".

ولما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل ذلك الناشئ الصغير يحرص على اتباع السنة وكثرة مخالطة ومجالسة النبي، فقد أثنى عليه معززًا بقوله: "يا معاذ إني أحبك في الله…".

فانتبه -عزيزي المربي والمعلم- إلى ضرورة تعزيز السلوك الإيجابي للصغار، فكم منا يمر عليه الكثير من السلوكيات الإيجابية لصغاره ولا يمدحها أو يثني عليها، بل ويعتبرها أحيانًا سلوكًا عاديًا واجبًا على الطفل القيام به!! وعلى النقيض، إذا قام الطفل بسلوك سيئ أو سلبي فننهره وربما نعاقبه!!

فعندما يتصرف طفلك بالطريقة التي تريدها، امنحه بعض الملاحظات الإيجابية بالثناء عليها؛ على سبيل المثال: "يا إلهي، أنت تلعب بشكل رائع. إنني حقًا أحب الطريقة التي تبقي بها كل اللعب على الطاولة". فقد يعمل هذا بشكل أفضل من انتظار سقوط اللعب على الأرض لتقول: " توقف عن ذلك".

كذلك اجعل هدفك أن تمدح السلوك الجيد، وتجنب العبارات العامة مثل "عمل جيد!" أو "أحسنت!" إذا قام الطفل بمهمة بشكل صحيح، فامنح الثناء لمسة شخصية مثل: "لقد قمت بعمل جيد في ري النباتات كل يوم! انظر إلى مدى طول وقوة نباتك!".

تسمى هذه التعليقات الإيجابية أحيانًا المديح الوصفي؛ لأنها تخبر الأطفال على وجه التحديد بما يقومون به بشكل جيد؛ لذلك حاول أن تدلي بخمسة تعليقات إيجابية لكل تعليق سلبي. وتذكر أنه إذا كان لدى الأطفال خيار بين عدم الانتباه أو الانتباه السلبي، فغالبًا ما يسعون وراء الانتباه السلبي.

فعندما يحصل الأطفال على ملاحظات إيجابية محددة لفعل الشيء الصحيح، فإنهم يريدون فعل المزيد منه، ويريد جميع الأطفال تقريبًا إرضاء البالغين -سواء أظهروا ذلك أم لا-؛ لذلك بالنسبة لمعظم الأطفال، يكون للمدح المحدد تأثير إيجابي.

كما أن المديح أيضًا طريقة سهلة لمنح طفلك الاهتمام الذي يتوق إليه كثير من الأطفال.

5- الكف عن اللوم والعتاب:

لا بد من التوقف عن الانتقاد الدائم للطفل، فاللوم والعتاب يفقدانه الثقة بذاته، ويحولانه إلى شخص سلبي غير فعال في المجتمع، فهمها فعل يعد نفسه مخطئًا، وبالتالي لا يحاول التعديل من ذاته أو المشاركة في الأعمال والأنشطة الإيجابية.

فمن خلال تعامل النبي مع الأطفال نستقي قيمة متحضرة وإيجابية متمثلة في الحد من اللوم والعتاب على تصرفات الأطفال؛ يقول أنس -رضي الله عنه- عندما كان يخدم رسول الله وهو ابن العشر سنوات: "ما كان يقول لي لشيء: لِمَ فعلته؟! ولا لشيء: لِمَ لَم تفعله؟!". فقد زرع هذا الأمر في عقل وروح الطفل أنس آنذاك دقة الملاحظة والثقة بالنفس والحياء. وهو ما يدفع الطفل تباعًا إلى السلوك الحسن وتجنب السلوكيات السلبية.

6- القدوة الإيجابية:

لا بد للطفل من الاقتداء بقدوة إيجابية صالحة حتى يتشرب المبادئ والسلوكيات الإيجابية الصالحة في حياته، فلا بد من قدوة حسنة ليتطبع الأطفال بالأخلاق والسلوكيات الإسلامية السامية، كالصدق والأمانة وحسن الجوار وصلة الأرحام على سبيل المثال لا الحصر...

وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل وأحسن مثال للقدوة الحسنة في البشرية كلها، فيقول المولى -عز وجل- في كتابه الكريم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب: 21]، فقد كان مربيًا وهاديًا ومعلمًا بالقدوة الحسنة.

فلا يصح أن أحث طفلي على الصدق وأعلمه أن "الصدق منجاة"، وفي الوقت ذاته أطلب منه أن يجيب على الهاتف ويكذب ليخبر من يهاتفنا بأني غير موجود!!

فانتبه!! يراقبك طفلك للحصول على أدلة حول كيفية التصرف دائمًا، وغالبًا ما يكون ما تفعله أكثر أهمية مما تقوله. على سبيل المثال، إذا كنت تريد أن يقول طفلك: "من فضلك"، قلها بنفسك. وإذا كنت لا تريد أن يرفع طفلك صوته، فتحدث بنفسك بهدوء ولطف.

7- اختيار التوقيت المناسب للتوجيه:

كان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يتحين الوقت المناسب لتعديل السلوك الخطأ وتعزيز السلوك الإيجابي للأطفال، ولهذا الأمر وقع فعال جدًا في تقويم السلوك؛ حيث يشعر الطفل بالتقدير، فالطفل كائن حساس يميل إلى من يشعره بقيمته وظروفه وحالته النفسية.

ولعل من أفضل الأوقات المناسبة لتعديل السلوك أو للتشجيع على السلوك الإيجابي هو وقت التنزه، أو السير والخروج وركوب السيارة؛ فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَقَالَ: "يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ". [رواه الترمذي].

وكذلك في وقت تناول الطعام، فيكون هذا الوقت المناسب لإعادة التوجيه نحو السلوك الصحيح لتناول الطعام والشراب؛ فَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ". [متفق عليه].

8- تعزيز وتقدير ذات الطفل:

لعل التشجيع وتقدير الطفل يمنحه الثقة بالقدر الكافي للقيام بالسلوكيات الإيجابية؛ حيث يشعر الطفل بالمسؤولية تجاه الأفعال والأمور. وبالتالي يدفعه للحد من السلوك السلبي لما يراه من ثقة وتقدير في أعين من حوله.

فمن قصص السيرة النبوية يعلمنا رسولنا الكريم تقدير الطفل، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجلس مع أشياخ بدر كبار في السن، وكان عن يمينه صبي صغير، فأوتي النبي بشراب، فبعد أن شرب، كان من الطبيعي أن يعطي الكبار أولًا، ولكن استأذن من الصغير أولًا فقال له: "أتأذن لي أن أناول الأشياخ؟"، فكان الطفل مدركًا أن الشرب مكان النبي فضيلة كبيرة، فرد: "لا والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، فتلَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يده". أي أعطاه له.

ولعل في واقعنا الحالي نجد من المربين صدودًا تامًا للأطفال عن التعبير عن الرأي والتوبيخ وإلغاء الذات حينما يرغب الطفل بالتعبير عن رأيه، فنسمع دائمًا: "حينما يتحدث الكبار لا بد أن تصمت". فالنقاش أمر مرفوض فيما يخص الأوامر والتوجيهات الأبوية.

ولكن للأسف هذا الأمر غير صحيح؛ لأن الطفل بذلك سيتربى على الانطوائية والسلبية، وربما تحدث مشكلات نفسية للطفل لاحقًا.

9- الملاطفة والتقرب وتفهم شعور الطفل:

يشعر الطفل بالحب والتقدير، ويميل للسلوكيات الإيجابية عندما يشعر بأن المتحدث إليه يشعره بالقرب والتفهم والملاطفة.

وقد كان رسولنا الكريم أفضل قدوة لنا في هذا الأمر، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان لي أخ يقال له أبو عمير، كان إذا جاءنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أبا عمير، ما فعل النُغير". طائر صغير. [رواه البخاري 6203، ومسلم 2150]. فرغم انشغال النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمور الجهاد والعبادة إلا أنه كان يلاطف أطفال الصحابة، ويقوم بإدخال السرور على نفوسهم، ويسأل الطفل عن طائره الصغير، رغم علو منزلته وعِظم مسؤولياته -عليه الصلاة والسلام-.

كذلك كن متفهمًا عندما يكونون متوترين لأنهم يحاولون شيئًا ما لأول مرة، محبطين لأن مهمة الكتابة صعبة عليهم، أو محرجين لأن الطلاب الآخرين سخروا منهم.

فتجنب قول أشياء مثل "توقف عن فعل الكثير حيال ذلك" أو "ستتجاوز الأمر" أو "لماذا تواجه مثل هذا الوقت الصعب مع هذا".

وبدلاً من ذلك، قل عبارات تعاطفية مثل: "أتفهم أن هذه المهمة محبطة لك" أو "أتفهم أنك متوتر، وهذا أمر شائع عند تجربة شيء جديد".

10- الاستماع بانتباه وحرص إلى كلام الصغار:

لا تحكم على أطفالك/ طلابك إذا كانت أفكارهم أو أحلامهم أو مشاعرهم أو أفكارهم لا تتطابق مع أفكارك.

بالطبع، من المقبول مشاركة رأيك، ولكن بشكل عام، لا تجعلهم يخطئون في رأيهم.

يحتاج الأطفال إلى الشعور بأنهم منفتحون وأن يكونوا على طبيعتهم مع البالغين في حياتهم، فعندما يشعر الأطفال أنه لن يتم الحكم عليهم أو إدانتهم بالخطأ، فمن المرجح أن يتحدثوا إلينا عندما تكون هناك مشكلة حقيقية.

كذلك كان يتعامل النبي مع أحلام وأفكار الصغار، فيروي سيدنا عبد الله بن عمرو يقول: "كنت غلامًا عزبًا أنام في المسجد وأرى الصحابة الكبار كلما رأوا رؤية يقصون على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكنت أردد في نفسي "لو كنت فيك خيرًا لرأيت مثل ما رأوا"، فدعا الله -عز وجل- يومًا أن يرى مثل هؤلاء الكبار.

فيقول: رأيت رؤيا: كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، فلقيت ملكًا آخر، فقال لي: لن تخاف. أراد الرسول بذلك أن يطمئنه.

ثم استكمل حديثه قائلًا: "استيقظ عبد الله بن عمر، فأراد أن يذهب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه استحيى لصغر سنه، فذهب إلى أخته السيدة حفصة بنت عمر -رضي الله عنها وأرضاها-، وحكى لها الرؤيا وقال لها: قوليها لرسول الله -عليه الصلاة والسلام. فقال -عليه الصلاة والسلام-: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل".

وفي وقتنا الحالي إذا أخبرنا طفلًا عن حلمه فنقابله بالسخرية والاستهزاء لما يقول، وربما نصفه بأنه يروي التخاريف، وبالطبع هذا خطأ فادح في التربية؛ ما يدفع إلى بعض السلوكيات السلبية كالكذب أحيانًا للفت الانتباه، أو العزلة بسبب السخرية.

فلننظر إلى ما قام رسولنا الكريم بعمله تجاه ما قصّه عبد الله بن عمر حينما قال: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل"، أي لو تطمح بأي أمر وتريد الوصول فعليك باتباع طريقة ما، ولذلك إذا كان طفلك يطمح بشيء فعليك تعزيز هذا السلوك وتنميته وحثه على الوصول إليه بطريقة سليمة.

ولعل الاهتمام إلى حديث الصغار يشعرهم بالفخر والقبول، وبالتالي يستجيب الطفل لأي سلوكيات إيجابية مطلوبة منه حتى وإن كانت صعبة التحقيق إلى حد ما بالنسبة له.

وبهذا فيكون منهج النبي في التعامل مع الصغار لتعزيز السلوكيات الإيجابية هو الاعتدال وعدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به، فكذلك توجه الشريعة الإسلامية إلى حث الآباء والمربين على ضرورة ملاطفة والرأفة والاستلطاف بالكلام إلى الصغار.

ولعل المواقف والأحاديث التي وردتنا عن النبي والتي تدعم هذا التفكير نحو تعزيز السلوك الإيجابي للأطفال لا تعد ولا تحصى، وما ذكرناه لا يتجاوز الواحد بالمائة من حسن خلقه في التعامل مع الأطفال بشكل عام.

 

-----------

      المصادر:

-         مجلة عالم الإبداع، كيف نشجع السلوك الإيجابي في بيوتنا؟! للدكتور مصطفى أبو سعد، العدد السادس والستون، أكتوبر 2010.

-         فن التعامل مع شخصية القائد الصغير، أ.د مدحت محمد أبو النصر، منال البارودي.

-         كتاب (من معالم المنهج النبوي في تربية الأبناء) د.عادل الشدي.

-         كتاب التربية الدينية والاجتماعية للطفل، (بلقيس إسماعيل)، ص88.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة