تُعد التربية الفكرية ركيزة في إعداد الناشئة إعدادًا صحيحًا سويًا يستقيم مع سمات الشخصية المسلمة، التي تمتلك القدرة على التفكير واتخاذ القرارات وترك التقليد والتعصب الأعمى

تُعد التربية الفكرية ركيزة في إعداد الناشئة إعدادًا صحيحًا سويًا يستقيم مع سمات الشخصية المسلمة، التي تمتلك القدرة على التفكير واتخاذ القرارات وترك التقليد والتعصب الأعمى، ولذا فهي تُسهم في تعريف المتعلمين بقدراتهم وإمكانياتهم؛ ما يعزز من ثقتهم بأنفسهم وإحساسهم باستقلاليتهم، ومن ثمّ تنمية الشعور بالمسؤولية، والجدية في الحياة، فينشأ الأفراد مؤهلين للنهوض بمجتمعاتهم وتحقيق الرقي الحضاري ومفهوم الاستخلاف.

وبالمقابل فإنّ إهمال الجانب الفكري لدى المتعلمين في العموم يُضعِف قُدرَتهم على مواجهة مشكلاتهم، ما يؤدِّي إلى تفاقمها مع الوقت حتى تصبح مشكلات مزمنة تترك آثارًا سلبية على أصحابها وعلى المجتمعات.

ولمّا كانت المرأة في هذا الزمن تعاني من الكثير من الضغوطات النفسية والفكرية؛ فقد أكّد هذا على أهمية منحها التربية الفكرية المتوازنة التي ستساعدها على التعامل مع كل هذه التحديات المتعددة.

ضرورة مجتمعية وتربوية:

إنّ تربية الفتاة المسلمة على كيفية التفكير والتعامل مع المشكلات يُعدُّ من الأمور الملحة التي ينبغي أن تكون لها الأولوية الحقيقية من قبل الأسرة والمؤسسات التعليمية على تنوع مراحلها؛ وذلك لما للتفكير من دور كبير في تعزيز القيم الصحيحة لدى الفتيات وتحصين الشخصية المسلمة من المدخلات الثقافية الغريبة والمناهضة للدِّين والعقيدة، كما أنّها وسيلة فعّالة في التصدي لمحاولات التغريب الثقافي التي تهدفُ إلى طمس معالم الهوية المسلمة في مجتمعنا العربي والإسلامي.

والفتاة المسلمة حين تتلقى تربية فكرية سليمة منذ الصغر، تصبحُ امرأة أكثرَ وعيًا بنفسها وبما يدور حولها، بل إنّها ستمتلك القدرة على تطوير نفسها وقدراتها ومهاراتها، وعوضًا عن انشغالها بسفاسف الأمور، أو استسلامها للظروف المحيطة بها، أو انغلاقها على نفسها، تصبح لديها أهداف سامية في حياتها، سواء على الصعيد الشخصي المهني أو على الصعيد الاجتماعي الأسري؛ لإدراكها أهمية دورها ومكانتها في تحقيق النهوض والارتقاء؛ ما يولّد لديها روح التعاون الإيجابي والصدق في الإنجاز، وهذا ما يشهد به الواقع العملي.

فالمرأة حيث تتقن تتميز في كافة المجالات؛ فتتميز كزوجة في إدارة شؤونها الزوجية واستقرار حياتها الأسرية، وتتميز كأم في تربية أبنائها وإعدادهم الإعداد الصالح، وتتميز كمثقفة في مجال الثقافة والفكر، وتتميز كموظفة في أي قطاع مهني تعملُ فيه؛ وسبب ذلك هو روح التفاني والإخلاص اللذين يدفعانها للعطاء وإحسان البذل والتضحية في سبيل تحقيق النجاح في حياتها.

وهذا كله يجعل المرأة أقدر على اتخاذ القرارات الصائبة، ومواجهة أية إشكالات تتعرض لها، وتطويع أية ظروف معيقة لصالحها، فالمرأة المُفكِّرة لديها ثقة بنفسها ووعي بقدراتها أكثر من  أي امرأة أخرى.

ولذا فإنّ التركيز على تعليم الفتيات عمليات التعلم، وتعليمهن مهارات حلّ المشكلات، بالإضافة إلى تعلّم مهارات التعلُّم الذاتي، وامتلاك القدرة على المحاكمات العقلية، من الأمور التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار لتصل الفتاة إلى قدرة على امتلاك مهارات التفكير السوي.

وسائل تحقيق تربية فكرية سليمة:

وحتى نصل بالفتاة المسلمة إلى هذا لا ينبغي أن يترك تعليمُ التفكير للصدفة، أو أن يكون الاهتمام به اهتمامًا هامشيًا، أو شكليًا، وإنّما ينبغي أن تؤسس المناهج وتُعقَد الدورات التدريبية لتأهيل الفتيات على ذلك.

بين النظرية والتطبيق:

وهذا ما يُوقعنا أمام إشكالية حقيقية وهي تلك الفجوة الكبيرة بين التنظير والتطبيق، فإنّ الناظر إلى مناهج التعليم في الدول العربية لا يجدُّ منهاجًا منها لم يضع التربية الفكرية على رأس أولوياته، ولكن عند التأمل في الواقع المُطبَّق نجدُ أن مخرجات التعليم لا تتوافق مع النتاجات التربوية التي رصدت مسبقًا. وهذا الأمر لا يقتصر على الدول العربية وحسب، وإنما يتعداه إلى عدد لا بأس به من الدول الغربية من مثل بريطانيا التي رصدت للتربية الفكرية اتجاهات متعددة، منها: (تنمية حب الاستطلاع، واحترام الأدلة ، وإرادة التسامح، والتفكير الناقد، والمثابرة أو المواظبة على أداء الواجب، الإبداعية والانفتاح العقلي، والحس البيئي السليم، والتعاون مع الآخرين)، بينما نجد تقارير المفتشين عن واقع التعليم في المدارس البريطانية تدل على مهارات التفكير والقدرة على المحاكمات العقلية والمناقشات لا تُعطى من الوقت شيئًا يُذكر عبر المنهاج.

وهذا يُحِيلنا إلى المُعلم الذي ينبغي أن يُؤهَّل بصورة صحيحة ويُملك المهارات التي تساعده على تعزيز الاتجاهات الإيجابية المُحققة للتربية الفكرية؛ لأنّ الخلل قد لا يكون في المنهاج بقدر ما يكون في كيفية تطبيق المنهاج وتغليب الجانب المعرفي على تعزيز الجانب الفكري.

التدرج المدروس:

وحتى نستطيع أن نصل بفتياتنا إلى مستوى مقبول من التربية الفكرية وجب أن نؤكد أنّ التربية الفكرية لا يمكن أن يتملكها المتعلم دفعة واحدة، وإنما هو بناء يتطلب التخطيط الصحيح، الذي يقترن بتصميم الوسائل المناسبة والأنشطة الممتعة التي تُسهم في اكتساب المتعلمين القدرة على التفكير والتفكر، والقدرة على توظيف معلوماتهم ومهاراتهم بصورة تمكّنهم من تجاوز الصعوبات وتخطي التحديات، وتطويع الظروف المحيطة بهم لصالحهم، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحصل دون تدرج واعٍ ومدروس، وأنشطة قيمية فاعلة.

وللتنويه فأسس مهارات التفكير يجب أن تُغرس منذ الطفولة المبكرة لتنمو مع الأطفال؛ وذلك لأن الدّراسات أثبتت أنّه كلما كَبُر الطفل دون تلقي تربية فكرية سليمة قلَّ انفتاحه العقلي، فإن تجاوز طفولته ووصل إلى مرحلة النضج ازداد انغلاقًا على نفسه، وزادت عنده قيمة (الأنا) التي تجعله يتمسّك باعتقاداته الخاصة، ويرى من يخالفونه بالرأي متحيزين وغير قادرين على فهمه.

الحوار الفعال:

وهذا بدوره ينقلنا إلى نقطة أخرى مهمة في الوسائل المعينة؛ وهي التركيز على الحوار الفعّال وتنمية مهاراته، فعندما لا يُدرَّب الطالب على أصول الحوار ومبادئه، وأهمية تبادل وجهات النّظر، وضرورة التزام الموضوعية والنزاهة؛ لن يتملك القدرة على الخوض في حوار ناجح. ولعل فكرة الطاولة المستديرة، والمناظرات والندوات وغيرها، من الوسائل المناسبة لذلك.

التفكير الناقد:

ويعد التركيز على التفكير الناقد من أهم الوسائل لتحقيق التربية الفكرية السوية، وهذا ما يَنصح به التربويون وعلماء النّفس منذ النصف الثاني من القرن العشرين، ويراد من هذا النوع من التفكير تكوين العقلية المرنة المُنفتحة والمتحررة من الجمود والتبعية من خلال تنمية أساليب وآليات استخدام العقل والمنطق، فالتفكير النّاقد لا يقتصر على نقد خارجي لظواهر الأشياء، بل يتعدّى ذلك لنقد داخلي للظاهرة، والبحث عن العلاقات بين المقدِّمات والنتائج، وإثارة تساؤلات حول القضايا والمشكلات التي يتعرض لها المتعلم، بالإضافة إلى امتلاك القدرة على المحاكمات العقلية، وتحري المغالطات في المناقشات، مع القدرة على توليد الأدلة والحجج.

وهذا الأمر يدفعنا إلى إيلاء هذا النّوع من التفكير الاهتمام الكبير، خاصة وأنّه يُسهم في مساعدة الفتاة أيضًا على مواجهة التحديات الراهنة بحكمةٍ وتعقل، دون الانجراف وراء أية أفكار يُروج لها قبل نقدها وتمحيصها وتبيّن ما فيها من خطأ وصواب.

القراءة الفاعلة:

ومن الوسائل المُهمّة في تحقيق تربية فكرية تنمي المهارة على النّقد والتمحيص: تعلّم القراءة ذات المعنى، ورتق الهوة بين الفتيات وبين القراءة الفاعلة التي تكسبهن المعرفة الصحيحة وتمكنهن من إيجاد الحلول المناسبة لأية مشكلة، كما أنّها توسع الأفق من خلال الاطلاع على العلوم والمعارف والحقائق المتعدة من مصادرها، والأمر يتطلب تبني مشروعات تُشجع الناشئة على العودة إلى القراءة العلمية المتينة، وعدم الاكتفاء بالمعرفة السطحية للأمور، أو الاعتماد على مصادر غير موثوقة للمعرفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية.

وهذا أمر يمكن للمؤسسات التعليمية والثقافية القيام به، مع التنبيه إلى أن للبيت دورًا كبيرًا في إنجاحه، وخاصة إذا رُبِّيت الفتاة على حب المطالعة والقراءة منذ الصغر.

ولو نظرنا إلى واقع المرأة في مجتمعاتنا العربية نجد أنّ أكثر ما تعاني منه المرأة هو أحد أمرين:

1- عدم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة في مجال تعلّمها أو عملها أو زواجها أو حتى إدارة شؤونها الخاصة أو شؤون أسرتها.

2- والأمر الثاني عدم القدرة على التعامل مع المشكلات التي تتعرض إليها، فبعض الفتيات تنهار أو تضعف أمام بعض المشكلات الأسرية أو المهنية؛ لغلبة الجانب العاطفي والانفعالي، أو لتغلب نزعة الأنا؛ فيؤثر هذا فيمن حولها سلبًا، خاصة إذا غاب الوعي بفقه الأولويات في حياتها.

وهذا كله يمكن تفاديه عند توفير التربية الفكرية السوية للفتيات منذ الطفولة، لنُسهِمَ في إيجاد فتيات مسلمات يملكن فكرًا ومنهجًا يَجمعُ بين الأصالة والمعاصرة، ويعينُهن على الثبات على مبادئ الدّين الحنيف والمحافظة على القيم الإسلامية الصحيحة، مع امتلاك القدرة على تخطي العقبات، ليساهمنَ بالرقي والنهوض الحضاري بمجتمعاتهن. 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة