أصبحت حياتنا تمر بوتيرة متسارعة، وروتين يومي يحرمنا من الاستمتاع بها، لذا نادراً ما نقوم بأي عمل مستخدمين انتباهنا الكامل، فأذهاننا تتجول طيلة الوقت بين التفكير في الماضي أو التخطيط للمستقبل، وتشرد عن التفكير باللحظة التي نعيشها

أصبحت حياتنا تمر بوتيرة متسارعة، وروتين يومي يحرمنا من الاستمتاع بها، لذا نادراً ما نقوم بأي عمل مستخدمين انتباهنا الكامل، فأذهاننا تتجول طيلة الوقت بين التفكير في الماضي أو التخطيط للمستقبل، وتشرد عن التفكير باللحظة التي نعيشها، وهذا ما يجعل تفكيرنا في حالة تشتت دائم وبالتالي تؤثر على عملية استقبال واستيعاب المعلومات، الأمر الذي يستدعي اتخاذ المعالجات المناسبة لكي يظل تفكيرنا في حالة تيقظ دائم وانتباه مستمر، ومن هذه المعالجات ممارسة تقنية اليقظة الذهنية.

يُقصد باليقظة الذهنية تخصيص الفرد قدراً من الوقت والجهد ليكون واعياً بأفكاره ومشاعره وأحاسيسه الجسدية والبيئة المحيطة لحظة بلحظة، كما تعرف اليقظة الذهنية بقدرة الإنسان على الحضور الذهني الكامل، والتحكم بالذهن وتركيز الانتباه على اللحظة الحالية مع الوعي بمكان وجوده وما يقوم به والقدرة على إيقاف المشتتات من حوله، فاليقظة الذهنية ضبط للوعي، ووسيلة لتدريب العقل والقلب والجسد ليكونوا حاضرين بشكل كامل في الحياة، ومن مسمياتها الوعي الذاتي والتأمل الواعي.

تتألف اليقظة الذهنية من ثلاثة عناصر أساسية هي النية والانتباه والاستمرارية، فالنية تتضمن معرفة الهدف والرؤية والطموح لما نقوم به، الأمر الذي يسهم في تنشيط دافعيتنا، أما الانتباه فيشمل الاهتمام الكامل باللحظة الحالية، حيث تشير الأبحاث إلى أن عقولنا تشرد بنسبة 47% من الوقت، ويأتي دور اليقظة الذهنية كأداة مساعدة لترويض وتدريب أذهاننا حتى تصبح أكثر تركيزاً، وفي كثير من الأحيان عندما نحاول الانتباه يصبح انتباهنا متوتراً ومزدحماً، لأننا نعتقد خطأً أنه يجب علينا أن نكون مشدودين أو يقظين لتركيز انتباهنا بطريقة صارمة، وهذا يخالف الانتباه المتيقظ الذي يكون أكثر استرخاءً، أما الاستمرارية فتمكننا من البقاء منفتحين ولطيفين وفضوليين أثناء القيام بالعمل.

فوائد اليقظة الذهنية

تعد اليقظة الذهنية تقنية حديثة أثبتت فعاليتها في مساعدة الموظفين على تحسين أدائهم، والطلاب في إتقان مهاراتهم الدراسية، وفي علاج كثير من الاضطرابات النفسية، وسنورد هنا بعض الفوائد العامة أهمها:

1.    تحسين الذاكرة العاملة، وعمليات الانتباه؛ فعندما نركّز انتباهنا نكتسب المزيد من السيطرة والقوّة في جميع مجالات حياتنا، سواء في العمل، أو الدراسة، أو الحياة الاجتماعية أو التسلية.

2.    الاستمتاع باللحظة؛ فكل ما نستمتع به من طعام، أو فنون، أو كتب، أو رياضة، يتحسّن كثيراً حين نمتلك القدرة على الاسترخاء والتحرّر من الضغوط.

3.    تحسين نوعية التعلم داخل الصف من خلال التعلم النشط القائم على المشاركة والتفاعل والتيقظ الذهني أثناء الدروس، مما يسهم في رفع مستوى التحصيل الدراسي للطلاب، وتحقيق الأهداف التعليمية.

4.    مساعدة الأفراد على إدراك الواقع بشكل واضح، وتمكينهم من فهم أنفسهم ومشاعرهم، والتمتع بالمرونة والتوافق الاجتماعي، والتصرف بوعي عند القيام بالأنشطة المختلفة.

5.    اكتساب الهدوء والتوازن والشعور بالسعادة والارتياح مما يحسن جودة الحياة لدى الفرد ويجعلها ذات معنى.

6.    الخشوع في الصلاة وعند قراءة القرآن وذكر الله، حيث يتم استحضار المعية الإلهية واستشعار معاني الآيات والأدعية التي يقرأها الفرد أو يسمعها، مما يجعل الفرد يعيش اللحظة ويعود كلما انصرف أو شرد ذهنه.

7.    تخفيض أعراض الضغوط النفسية، والتخفيف من أعراض التوتر والقلق والاكتئاب، فمن خلال ممارسة الحضور في اللحظة الراهنة ينصرف تفكير الفرد عن الظروف الصعبة التي يعاني منها.

8.    القدرة على التواصل بنشاط مع البيئة المحيطة، وتكوين علاقات متينة مع الآخرين.

 

التدرب على ممارسة اليقظة الذهنية في الأنشطة التعليمية

          يتطلب التعليم النشط ممارسة النشاطات التعليمية بيقظة وانتباه من خلال التركيز على اللحظة الحالية وإشراك الحواس عند ممارسة الانشطة، ويمكن للمتعلم أن ينمي تيقظه الذهني من خلال الآتي:

1.    تجنب القيام بأكثر من مهمة في نفس الوقت، لأن تعدد المهام يفتح الباب أمام المشتتات، وأن التركيز على مهمة واحدة فقط يساعد في الحد من عوامل التشتيت ويبقي الفرد منتبها للمهمة التي يقوم بها.

2.    التركيز على فكرة واحدة في نفس الوقت وذلك بتصفية الذهن من جميع الأفكار المتعارضة والتي غالباً ما تعطل حبل الأفكار.

3.    الاستعداد المسبق للمهام الدراسية، وذلك بإعداد وتنظيم جميع الأدوات والمتطلبات التي تحتاجها لهذه المهمة مسبقًاً.

4.    التفاعل والمشاركة أثناء الدروس والاستعداد لطرح الأسئلة فالمشاركة المستمرة تشغل الذهن بالدرس، وتحد من أي فرصة لتشتيت الانتباه.

5.    أخذ فترات راحة بين الدروس أو أثناء الاستذكار فالحصص المتتالية تستنزف مستويات الطاقة بسرعة كبيرة، وأن أخذ فترات راحة بين الدروس والمحاضرات يساعد على تنشيط العقل وتثبيت المعلومات وربطها بالمعلومات السابقة واللاحقة.

 

تقنيات اليقظة الذهنية

نستطيع تدريب حواسنا على التيقظ الذهني بصورة فردية أو جماعية، وذلك من خلال ممارسة بعض التقنيات الحركية أو الذهنية، ويمكن توضيح بعض هذه التقنيات كما يلي:

1.    التنفس العميق: تستخدم تقنية التنفس لتهدئة الذهن، وتتم ممارسته كما يلي: اجلس أو استلقِ في وضع مريح، راقب أنفاسك عند الشهيق، راقب أنفاسك عند الزفير، عُد بلطف إلى التركيز على أنفاسك عندما تسرح بذهنك، ركِّز على الاحساس بارتخاء وانقباض البطن والصدر، ودفء أنفاسك في الخياشيم والحنجرة، ومن الأفضل ممارسة ذلك باستمرار في الوقت نفسه كل يوم، فابدأ بـ 3 إلى 5 دقائق، وأطل ممارستك مع مرور الوقت.

2.    الرؤية المركزة: تعتمد الرؤية على الملاحظة العميقة للبيئة المحيطة، وذلك بتحديد غرض يستدعي انتباهك مثل برتقالة من بين الفواكه، أو زهرة في حديقة، ثمَّ استخدم حاسة البصر للنظر إلى ألوانها وملمسها وحجمها وشكلها، وراقِب بهدوء حتى تبدأ بملاحظة الأشياء التي لم تُلاحَظها من قبل، مع ضبط الوقت لمدة 3 إلى 5 دقائق.

3.    الإصغاء المركز: يتضمن الإصغاء الجلوس والاستماع إلى الأصوات القريبة منك مثل أنفاسك، ثمَّ استمِع للأصوات التي تكون أبعد قليلاً، مثل صوت المروحة أو شخص يتحدث في الغرفة المجاورة، ثمَّ استمع لأصوات أخرى، مثل السيارات أو الطائرات، وقم بذلك مدة 3 إلى 5 دقائق.

4.    التحرك مع تغطية العينين: تعد تغطية العينين وسيلة لتعزيز حدة الحواس، بحيث يتحرك الشخص بوتيرة بطيئة للغاية، وعندما يلمس شخص آخر قريب منه - عن طريق الخطأ - فيغير حركته في اتجاه آخر، وهكذا حتى يصل إلى نهاية المكان المحدد.

5.    التحديق: لعبة التحديق في العينين تنمي مهارة التواصل والتركيز، وتتم بجلوس شخصين في مواجهة بعضهما، والتحديق في عيون بعضهما بعضاً، لمدة 1 - 5 دقائق، وإذا كان التحديق ضمن مجموعة فيتم الانتقال إلى زميل آخر، وتستمر بهذه الطريقة مع جميع المشاركين.

6.    مزامنة التنفس: يتم هذه التدرب بشخصين؛ يجلس أحدهما وظهره مستند إلى ظهر زميله، ثمَّ يبدأ التركيز على توسيع التنفس في البطن والظهر، ويحاول كل منهما مزامنة تنفسه مع تنفس زميله، بحيث يكونا متناغمين في عمليتي الشهيق والزفير.

7.    الأكل اليقظ: اعط الاهتمام الكامل للطعام الذي تتناوله من حيث مضغه، وإحساسك بملمسه، وتذوق نكهاته، واستنشاق رائحته، وتناوله ببطء مع استشعار دخوله إلى معدتك، والعضلات التي تستخدمها لرفعه إلى فمك، وتجنب تناوله مع أنشطة أخرى كالقراءة أو المشاهدة أو الاستماع.

8.    المشي اليقظ: ركز على احساسك وأنت تمشى والأرض تحت قدميك، وتنفسك أثناء المشي، وملاحظة ما حولك، والبقاء في الوقت الحاضر والاستمتاع باللحظة، وإلقاء نظرة على السماء، واستشعار حركة الرياح، ودرجة الحرارة على بشرتك.

9.    ممارسة الأعمال المنزلية: مساعدة الأهل في الأعمال المنزلية مثل كي الملابس وغسل الصحون، وكنس الأرضيات، فإن ذلك ينمي القدرة على التركيز في الأعمال البسيطة، فعند غسل الصحون مثلاً لاحظ ملمس الصحون وألوانها وأشكالها وأحجامها وأوزانها، وقد كان لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته ويقوم بخدمة أهله.

10.           التلوين: يستند نشاط التلوين إلى الفن، وينمي لدى الفرد الذوق الفني وذلك بالتركيز على اختيار الألوان المناسبة وتدرجاتها والدقة في رسمها.

11.           ممارسة الحرف اليدوية: ممارسة الحرف تساعد على التركيز على الجسم بجانب العقل، فهي تتيح الفرصة للعمل باليد، ومراقبة المشاعر الداخلية أثناء العمل وعند استخدام المواد المختلفة.

12.           الفكاهة والضحك: تعد الفكاهة والضحك بضوابطهم الاجتماعية أفضل ممارسة جماعية تركز على الفرح والتسلية والمرح، فالفكاهة تضفي الحيوية والنشاط على الموقف وتساعد على الاسترخاء، ويمكن ممارستها في أغلب المناسبات.

الخلاصة أن نشاطات اليقظة الذهنية تضم كل شيء تفعله في حياتنا اليومية، وتقتضي أن لا ننفصل عن الواقع وإنما نكون جزءً لا يتجزأ منه؛ وحين نعيش الحاضر نكون أكثر وعياً بأحداث الحياة الإيجابية والسلبية، فجرِّب هذه الممارسات التي أوردناها سابقاً وسوف تشعر بالهدوء والحضور كل يوم، وكلما زاد مستوى التنبه واليقظة الذهنية لدى المرء بمشاعره وأفكاره ومحيطه، فإن ذلك يسهم إلى حد كبير في تعزيز صحته النفسية والاستمتاع بحياته.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة