لا نستطيع أن ننكر أبدًا مرور الفتيات بفترة المراهقة، وربما بعدها بأحلام اليقظة، ولا بدّ أن ننتبه لأهميتها، وأثرها في نفس الفتاة.

نبحث جميعًا عن الأمان، والسكينة، ونفتش عن النفوس المطمئنة، وتبحث البنات عن الأمان في بعض التفاصيل الصغيرة:

ففي طفولتها: تبحث عنه في دمية من القماش تحتضنها، وتدسّ أنفها فيها، وربما تخبِّئ فيها بعض الدموعوعندما تكبر: تبحث عنه في روايةٍ رومانسيةٍ، فتَتُوه بين السطور، وتتعثر ببعض المعاني، وتسحرها الكلمات. وبعضهن تفتِّش عنه في وجوه صديقاتها؛ لتأنس بهنّ، وأحيانًا تضلّ للأسف- بسببهن.

وقد تلجأ أخريات لشراء عِقدٍ كبيرٍ، أو حجابٍ بلونٍ صارخٍ، أو تُحدِث ضجةً، وتضحك بهستيريةٍ، وتتصرف بطريقةٍ غريبةٍ؛ لتلفت أنظارنا أنها هناك.

وننسى نحن دورنا الهام: ننسى أن نترك بصمةً عميقةً، ولمسةً حانيةً على أوراق تلك الوردات المتفتحة النديّة.

ننسى أنها كالتربة الخصبة، تحتاج إلى الارتواء بالماء حتى تتشبع، وتمتلئ تلك الفراغات بين صخورها الصغيرة، التي ارتصّت لتشكِّلها، فتطرد الماء الزائد، وترفعه عنها حتى يركد، ويطفو معه كل ما ترسّب على صفحته، فتزيحه الرياح بهدوء.

فالبنات يحتجنَ إلى الحبّ، والحنان، كما تحتاج التربة للماء؛ فأشبعوهنّ حبًّا، وحنانًا.

فلو غمرتْ كلُّ أسرةٍ بناتها بالحب، ورَوَتْها بالحنان؛ لتشبّعت نفسُها الرقيقة؛ حتى تطرد أي محاولاتٍ غريبةٍ، تتطفّل على قلبها بحجة الحب، 
ولسلمتْ بناتنا من تلك الفتنة الخطيرة، وما لجأنَ للبحث عنها في دروب المعاصي.

سهل جدًّا أن نتحدث عن طرق الوصول إلى الأمان النفسي، وصعب جدًّا التطبيق في عصرٍ صارت الفتن فيه تقتحم خصوصياتنا بضغطة زرٍّ خفيفة؛ حتى أصبحنا نرى الفتاة تعيش تجربةً خطيرةً، تهتزّ فيها كل القيم التي تربَّتْ عليها في بيت أبيها، وهي تجلس على الأريكة أمامه، وأمام أمِّها، وتقلِّب هاتفَها الجوال، وهما غافلان عن الحقيقة، بل ربّما يراقبانها ويبتسمان!

ليس مطلوبًا خَنْقُ الفتاة، وحبْسُها في غرفةٍ أنيقةٍ، محاطةٍ بكلّ ما تشتهيه العين فقط، ونسيانُ النفس، فهي ليست حيوانًا أليفًا، نطعمه، ونربِّيه.

تختلف الفتيات في طريقة التفكير، ومقوِّمات الشخصية، وأشياء أخرى، لكنهنّ جميعًا يشتركن في أمرٍ واحدٍ، هو: الخيال الواسع.

لا نستطيع أن ننكر أبدًا مرور الفتيات بفترة المراهقة، وربما بعدها بأحلام اليقظة، ولا بدّ أن ننتبه لأهميتها، وأثرها في نفس الفتاة، وكيف يكون كل ما تراه، وتسمعه، وتتابعه، وتقرؤه سببًا رئيسًا في تشكيل تلك الأحلام التي تصاحبها وهي بين أهلها، وتخبِّئها في عقلها، وتسترسل فيها؛ لتغرق نفسها، وتنسى الواقع، وما فيه لساعاتٍ طويلةٍ.

نستطيع أن نوجِّهها لمتابعة ما ينفعها، وأن نشركها في ما يفيدها، ولا نتركها فريسةً للفراغ، والوحدة؛ لتنزوي في غرفتها، وترحل إلى عالمٍ آخر، تبني فيه قصورًا وهميةً فوق السحاب، وتَعْلَقُ هناك، فتتأخر دراستها، وحياتها، وإنجازاتها، ولا تحقق هدفًا ملموسًا، يبعث في نفسها السعادة الحقيقية على أرض الواقع.

من الخطر أن يكون أساس ثقافتها الاجتماعية من المسلسلات، والأفلام، فكم من قيمٍ تُهدَّم فيها أمامنا ونحن لا نشعر!

وكم من أفكارٍ خبيثةٍ تُبَثّ، وتُسرَّب إلى نفوس الفتيات البريئات دون تفكير منهن، وغفلةٍ منا حتى صار الحرام مقبولًا، وخفّت تلك الرهبة عند ذكره، ووصفه؛ لأن الجميع يراه ويشاهده، ولأنه طُرِح بكلماتٍ واضحةٍ، وفجةٍ، وصريحةٍ، وصادمةٍ، دون حياءٍ، وبصوتٍ عالٍ، على لسان فتاةٍ جريئةٍ متأنقةٍ، ربما تحبها ابنتنا بشدةٍ، وتتعاطف معها!

نحتاج للبديل، وللإعلام الهادف الذي يجاري، وينافس هذا الخبث، وتلك الحالة من الإدمان.

ونحتاج إلى برامج تخاطب الفتاة بيسرٍ، وسهولةٍ، وبطريقةٍ جذّابةٍ؛ لتنتشِلها مما هي فيه، تقدِّمها فتياتٍ ناضجاتٍ، وتُشرِف عليها معلماتٌ بارعاتٌ.

لا بدّ من قدوةٍ مميزةٍ، وذكيةٍ، تَشْعُرُ الفتياتُ أنها الشخصية التي تتمنى أن تكون مثلها يومًا ما.

ونحتاج لعملٍ على أرض الواقع، ونشاطاتٍ تغني النفسَ عن الانشغال بالباطل.

الأمر سهلٌ لو تحمَّل كلٌّ منا بعضًا من تلك المسؤولية، وقام بدوره بإتقان، وإخلاص: 

فالأم مسؤولة، فإن كانت واعيةً، ومثقفةً فستقصِّر الطريق إلى النجاة، ولو كانت صديقةً لابنتها، تقرؤها، وتفهم معانيها بيسرٍ، ووضوحٍ، فستكون هي صاحبة البصمة الأولى.

فلتكن ابنتُكِ تحت جناحكِ، واصبري عليها، وليس شرطًا أن تكون نسخةً منكِ مطابقةً، بل دعيها تختلف، وراقبيها، ودعيها تخبركِ بخبيئتها، واحفظي سرَّها، وداوي جرحَها، وشجِّعيها، وتحملي بعضَ النفور أحيانًا، فرَكْضُها نحوَ حضنكِ عندما تتوجَّع أكبرُ دليلٍ أن هذا النفور مفتعلٌ، أجبرها ما تمرّ به -من مراهقةٍ، وتغيرٍ نفسيٍّ- على إظهاره غضبًا، لكنها في الحقيقة تحبكِ بشدةٍ، وتحتاجكِ أن تكوني أمًّا، وحبيبةً، وصديقةً.

أبناؤنا أوراقٌ نحن نكتبها، فلنجتهد لنكتب شيئًا يحبّه الله قبل أن يحبه الجميع.

والأب مسؤولٌ، فالبنات هدايا من الله، فلنفرح بالهدايا، ولنحسن استقبال تلك العطايا الثمينة .

لا بدّ أن يستمع الأب الحنون لابنته، حتى لو كان حديثها في نظره تافهًا، وغيرَ هامٍّ، حتى لو حدثته عن دميتها إن كانت صغيرة، أو لو سألته عن رأيه في فستان، والأروع أن تناقشه عندما تنضج في مواصفات فارس الأحلام.

وليمنحها وقتًا كلّ يوم، وينظر في عينيها بعمقٍ، ويربّت على كتفيها بحنانٍ، ويخبرها أنها قرّة عينه، وحبيبته، وأنه موجودٌ عندما تحتاجه.

والأخ مسؤولٌ، فأنتَ تخرج وتدخل، وتضحك، وتحلّق في سماء يومكَ مبتهجًا، وهي بين أربعةٍ من الجدران المزينة، تنتظر.. تنتظر منكَ أن تُبهِجها للحظاتٍ، أو تُدخِل عليها السرور بقفشاتكَ اللطيفة، فحاولْ أن تخبرها بأي موقفٍ طريفٍ مررت به في يومكَ، وخفِّفْ عنها، وخذْها واخرجا، وسِرْ معها قليلًا، لعلّ تلك الخطوات القليلة تدلُّها على طريق الأمان.

أمّا تلك النبرة الحادّة، والصراخ المتواصل، والوجه العابس كلّما رأيت أختكَ، فلتبدلها بشيءٍ آخر محبّبٍ إلى نفسها، وأنت أعلم بأختكَ منا، فلتبحثْ عن ما تحبه، ولتتركْ بصمةً، وشيئًا ما تذكُرُك به يومًا، وإن مرّت السنوات.

وكلّ أنثى على وجه الأرض مسؤولةٌ، فأنتِ قدوةٌ، ومثالٌ حيٌّ، وخطبةُ جمعةٍ مستمرةٍ لشيخٍ صالحٍ على منبر الإسلام، فكلّ خطوةٍ منكِ، وعملٍ صالحٍ، وهمسةٍ، وكلمة حقٍّ، والتفاتةٍ بوقارٍ، ونجاحٍ متألقٍ، ومثابرةٍ بعد فشلٍ، وصبرٍ جميلٍ على ابتلاء، وابتسامةِ رضًا بالقضاء، ونظرة يقين، وحجاب أنيق سليم. كل هذا علاماتٍ تدلّينها بها على الطريق. 

ولنكن على يقينٍ أننا لسنا جميعًا نسخًا متطابقةً من بعضنا، وأنه من المستحيل أن يوجد قالبٌ واحدٌ لطبع شخصيةٍ مثاليةٍ، تتكرر في كلٍّ منّا، فلكلٍّ منَا عيوبٌ، ومميزاتٌ، وسلبياتٌ، وإيجابياتٌ، وفي صدر كلٍّ منّا كنزٌ ثمينٌ تحتويه نفسه، لا بدّ أن يفتِّش عنه، ولكلِّ شخصيةٍ مفتاحُها الذي لو فككنا شيفرته لتمكنّا من التأثير في بعضنا بيسرٍ، وسهولةٍ، ولنسأل الله الهداية لنا، ولغيرنا؛ فالهداية أولًا وأخيًرا من الله، وإنما نأخذ بالأسباب، والتوفيق منه وحده.

ولتكن بنات نبي الله شعيب لنا جميعًا قدوةً، فلولا أن إحداهما كانت تمشي على استحياءٍ، ما كان خبرها ليصل إلينا، قاطعًا تلك المسافات المكانية، والزمنية رافعًا لمكانتها، ومشيرًا لحيائها الذي شهدته حبّات الرمال في صحراءَ لم يرها فيها أحدٌ إلا الله.

تمامًا كما تفعلين أنتِ عندما تخلِصين بقلبك، وتتمسكين بحيائك في زمنٍ تزاحمت فيه الفتن. 

عندما تقبلين على الطاعات، وترفعين رأسكِ إلى السماء، وتغمضين عينيكِ، وتتنفسين براحةٍ، فينشرح صدركِ؛ لأنكِ على صلةٍ دائمةٍ بالله.

خرجتْ من بيتها، تتلفّت يمينًا ويسارًا باحثةً عن نبي الله موسى، 
وحيدةً، لا تجد مَن يصاحبُها ويؤنسُها، احتوتْها الصحراء، وقستْ عليها الشمس الحارقة، فأظمأتها، فلم تتراجعْ، وبلّلت شفتيها بالتسبيح، وتمسّكت بأطراف حجابها تطلب منها الأمان، واستعانتْ بدقّات قلبها تسألها الأُنْس في الطريق الوعرة، حتى الرمال الناعمة لم ترحمْ أقدامها الصغيرة، فصارت تبتلعها بدِقّتها، ورِقّتها، ورغم هذا أكملت الطريق بروحٍ شريفةٍ، وقلبٍ  طاهرٍ.

وكذلك أنتِ في كل لحظةٍ تَثْبُتِين فيها، وتتمسكينَ بدينكِ، وحجابكِ، وكرامتكِ، وطاعتكِ لربّكِ، حتى لو غضب منكِ الجميع.

عندما تقفين عند حدود الله.

عندما تتساءلين عن الحلال.

عندما تترفّعين عن الحرام.

عندما لا تشهدين الزور.

عندما تقولين: لا، في وجه من يقول للمعاصي: نعم.

عندما تصفعين الشياطين على وجوههم القبيحة، وأنتِ تزيحينهم من طريقكِ.

ربما تكونين أحيانًا وحيدةً مثلها، لكنكِ تَثْبُتين؛ لأنكِ تشبهينها بقلبكِ الطاهر.

وها هي الأيام تمضي، فتأكل من عمرنا ما تأكله، ولا يتبقى لنا إلا تاريخٌ يحفظه كلٌّ منّا؛ ليحسب كم مضى من العمر، ويتساءل بفضولٍ عن ما تبقى، بين لحظاتٍ سعيدةٍ، وأخرى نتحسّر فيها على الزمان الذي نشغله، ويشغل فينا الكثير، فنقولها أحيانًا، وبصدق: يا ليتني، وُلِدتُ في عهدِ الصحابة.

ومن الرائع أن تتألّق في هذا العهد الطاهر صحابياتٌ رائعاتٌ، 
كلّ واحدةٍ منهنّ كوكبٌ دريٌّ وحدَها، لو تعمقنا في سيرتها لتغيّرت أحوالنا -نحن النساء- ولكانت كل فتاةٍ مسلمةٍ صحابيةً بلسان حالها، وأفعالها.

نهرب بتلك الأمنية المستحيلة إلى أحبابٍ عرفناهم من بين سطور السيرة العطرة.

فلنجعل قصصَ السيرة أمام أعيننا، ولتكن حياة الصحابيات في قلوبنا، ولتكن كلٌّ منا صحابيةً. 

كوني مثلهن، كوني صحابيةً.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة